قبل الخوض في التفاصيل ينبغي أن نذكر أن ثمة نوعين من الشعور بالذنب:أولاً: الشعور بالذنب عندما نرتكب خطأ عمداً أو من دون قصد، ثم نعمد إلى تصحيحه ويزول كأي عمل سابق قمنا به خلال حياتنا، وهذا عمل إيجابيّ.
ثانياً: الشعور بالذنب بطريقة سلبية عندما لا نكون فعلاً مذنبين ونحمّل أنفسنا مسؤولية الفعل الذي حدث. هذا الشعور هو أكبر عدوّ للإنسان إذ يفقده حريته الداخلية، ويجعله ذليلاً تجاه نفسه.
نظريات الاختصاصيين
حلّل بعض المفكرين والاختصاصيين الكبار موضوع الشعور بالذنب وكانت لهم نظريات عدة نستعرضها كالآتي: فرويد Freud: يعتبر فرويد أن لدينا جميعاً شعوراً بالذنب ويبدو ذلك في الميثولوجيات وفي الآداب وفي الأديان وفي الفنون، وأننا في الباطن أيضاً غير أخلاقيين. وفي نظره لا توجد وسيلة مباشرة للتغلب على هذا الشعور سوى التقدّم ببطء نحو جعله شعوراً واعياً.ألفرد ادلر Adler: يربط أدلر هذا الشعور بإحساسنا بالدونية التي تسكن في باطننا وبالرغبة الكلية في التعويض.يونغ Jung: يتكلّم يونغ عن الرفض العميق للشخص في قبول ذاته، ما يولّد لديه شعوراً بالذنب. جاك لاكان Lacan: لا يعتقد لاكان أن الشعور بالذنب مرتبط بعقدة أوديب، بل بكل مرة يخضع فيها الإنسان لرغباته، فالشعور بالذنب هو نقص في المفهوم تجاه الغاية.لويس أنجل Engel: أما العالم النفساني أنجل فيعتبر أن منبع الشعور بالذنب مردّه إلى الإيثاريّة (تفضيل الغير) المفرطة وغير الموجهة لدى الشخص.نيتشه Nietzsche: ردّ نيتشه أسباب الشعور بالذنب إلى الديانة المسيحية التي سببت تعاسة الإنسان عندما دفعته بتعاليمها إلى هذا الموقع.بروس نارامور Narramore: يُرجع نارامور أسباب هذا الشعور إلى بعض العوامل ومنها: الخوف من العقاب الذي تفرضه الأديان على المؤمنين بها؛ الخجل من ملاحظات الأهل القاسية؛ الشعور الضمني بالإذلال؛ النقص في محبة الذات؛ الخوف من الإبعاد أو الهجر.مظاهر الشعور بالذنب
نسرد في ما يأتي بعض المظاهر التي تبدو على الأشخاص الذين يشعرون بالذنب وهي: • لأن صاحب هذا الشعور يعتبر نفسه غير مستحق فإنه يحرم نفسه من المتعة والفرح كأن يذهب في عطلة أو يأخذ فرصة لنفسه.• يختار رفيقاً أو مهنة لا يرغب بهما بهدف معاقبة نفسه. وإذا صادفته السعادة فإنه يحوّلها إلى بؤس.• يعتبر نفسه مسؤولاً عن الصراعات أو الأخطاء في محيطه، ولا يرضى بأي مدح أو تعبير عاطفي.• إذا تعلّم من أهله أن الحياة مجرّد واجبات وتضحيات، فإنه يشعر بنفسه مذنباً كلّما أحسّ بسعادة تجاه أي أمر.• لا يحسن التصرّف بمؤهلاته وخصوصاً عندما يقوى هذا الشعور لديه.• يتغلّب عليه عدم الاطمئنان تجاه الآخرين ويعتقد أنهم لا يحبونه.• لا يعترض على أي طلب أتاه.• يقدّم الهدايا عندما يتأخر لسبب ما أو عندما يغضب منه أحد.• ينتقد الآخرين ويرمي أخطاءه عليهم من دون وعي.• لديه بعض المشاكل الجنسية.• عندما يعترف بالذنب لدى الخالق يكون ذلك لمعاقبة نفسه وليس للحصول على الغفران، وكي يعاقب نفسه أكثر فإنه يعترف بخطاياه أمام الآخرين كلّما وجد آذاناً صاغية. ما العمل مع هؤلاء؟الشعور بالذنب الحقيقي هو عندما نخالف أخلاقياً ودينياً وصايا الله فنشعر أننا بحاجة إلى الاعتراف كي ننال التوبة. أما الشعور بالذنب السلبي فهو نتيجة ضغوطات نفسيّة واجتماعيّة يتعرّض الشخص لها. ومن هنا تبدأ المعالجة أي عندما نستطيع التفريق بين الشعور الحقيقي والطبيعي وبين الشعور السلبي الاتهامي من دون أي مبرر.نعم للمسؤولية
في مستهلّ العلاج ينبغي أن ينظر الشخص إلى أعماقه نظرة موضوعية يحاول فيها تحديد مسؤوليته تجاه ما يشعر. فهل هو فعلاً المسبب لما ينتابه من مشاعر؟ وهل هو مسؤول عما يحدث للآخرين وما تتسببه الأقدار لهم؟ بعد ذلك عليه أن يكون واقعياً ويقوم بما يأتي: • كن صادقاً في تقييم ذاتك وانظر إلى الصفات الحميدة التي تتحلى بها. اسأل نفسك: هل أنا إنسان مؤمن؟ هل أنا صادق مع الآخرين؟ هل أرغب في المساعدة عند الضرورة؟ هل أحبّ الأهل والأصدقاء؟ هل أنا حسود نمام لا أريد الخير للغير؟ وعندما تكتشف أنك إنسان محبّ، مؤمن وخدوم فإن ثقتك بنفسك تبدأ بالنموّ.• كن شجاعاً في أخذ القرار ولا تخف من الاعتذار إذا أخفقت، فكلنا يخطئ ثم يصحح خطأه ويتابع سيره.• أقنع نفسك بأن الشعور بالذنب في غير محلّه يهدر أيام عمرك في الوقت الذي يجب فيه أن تعشق الحياة وتتمتع بكل لحظة فيها.• أرفض أن تكون مسيّراً لأحاسيس لست مسؤولاً عنها وعد إلى إيمانك القوي بالله فهو الذي يعلم بسرائر القلوب وهو الذي وهبك الحرية كي تفرح وتسعد لا كي تتحمّل أوزار الغير.• لا تدع الآخرين يقومون بالأعمال التي عليك أنت القيام بها.• أحذف الماضي من ذاكرتك ولا تعد إليه، وتصرّف كما ترى الأمور راهناً بكل وضوح وحرية.• قد لا يستطيع صاحب الشعور بالذنب أن يتخلص وحده من هذا الوضع الصعب، لكنه بمساعدة الاختصاصي في علم النفس يمكنه تدريجياً النجاة من هذا العدو الوهمي الذي يسيطر على عقله ويدمّر حياته.