للوهلة الأولى يخيل لك أن العرض الموسيقي الذي أمامك يقدم على مسرح قاعة رويال ألبرت هوول العريقة في لندن أو قاعة كينيدي سنتر في واشنطن. رهبة المكان وهيبة فرقة الأوركسترا السيمفونية هي التي تضعك في أجواء لندن وواشنطن، ولكن ما إن يدير الحاضر وجهه يمنة أو يسرة حتى يعي أن هذه الهيبة هي في الكويت، فالحضور الرجالي أغلبه من لابسي الدشداشة والغترة، كما أن الحضور النسائي بكامل أناقته أكد أن القاعة ليست في لندن ولا واشنطن بل في الكويت، وبالذات في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي. القائمون على مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي راهنوا فكسبوا الرهان وتحدوا ففازوا بهذا التحدي، تحدٍّ جلب فرقة أوركسترا عالمية كأوركسترا لندن السيمفونية التي صالت وجالت العالم منذ تأسيسها عام 1904 إلى الكويت وتقديمه لجمهور لم يتعود على صرامة وانضباط حفلات الموسيقى الكلاسيكية لهو تحد ورهان كبيران، إلا أن المركز وجمهور محبي الموسيقى الكلاسيكية في الكويت نجحا في التفوق على أنفسهما خلال الأمسيتين الموسيقيتين لفرقة أوركسترا لندن السيمفونية بقيادة المايسترو ألكسندر بلوخ. فلا الهواتف النقالة، مكالمات أو تصويرا، شوشت على انسيابية المقطوعات الموسيقية التي طال بعضها ليصل إلى 60 دقيقة، ولا الجمهور ترك مقاعده أثناء العرض بل التزم التزاما كاملا دون جلبة أو ربكة كما يحصل في الحفلات الأخرى، والتي تعود عليها الجمهور في الكويت. وما ساهم في نجاح الأمسيتين أيضا انضباط شباب وشابات المركز في تعاملهم مع الجمهور المتأخر قليلا، فالأبواب أغلقت بموعدها ومن تأخر التزم بكل رقي بالانتظار خارج القاعة لحين التوقف بين المقطوعات، مما ساهم في عدم إزعاج من التزم بالوقت والتركيز على العمل الموسيقي.
برنامج الأمسيتين شكل مادة موسيقية دسمة وثرية لمحبي ومتذوقي الموسيقى الكلاسيكية، ففي الليلة الأولى قدمت الفرقة سيمفونية رقصات من قصة الحي الغربي للموسيقار ليونارد برنستين، وعقب ذلك قدمت الفرقة كونشرتو الكمان رقم 1 لسيرغي بروكوفييف واختتمت برائعة تشايكوفسكي السيمفونية رقم 4. مفاجأة الأمسية الأولى كانت في تطويع لحن خماري كويتي (أغنية آه يا روح روحي) بشكل أوركسترالي ساحر ساهم الموسيقي الكويتي أحمد القلاف في توزيع وتطوير اللحن لتقدم الفرقة لحنا من الموروث الشعبي بنكهة عالمية. ولمحبي أفلام هوليوود عزفت الفرقة الموسيقى التصويرية لفيلم حرب النجوم لتضيف جمالية خاصة لجو الأمسية.الأمسية الثانية والتي شهدت حضورا أكبر، قدمت فيها أوركسترا لندن السيمفونية مقطوعات للنابغة موزارت شملت افتتاحية زواج فيغارو المأخوذة من أوبرا بذات العنوان، وكونشرتو الاوبوا. عقب ذلك، وهنا أثبت الحضور رقيه وتفوقه اللذين يستحقان الثناء والتقدير، قدمت الفرقة السيمفونية رقم 1 لغوستاف ماهلر والتي شملت حركات أربع استغرقت نحو 60 دقيقة استمتع بها الحضور بانضباطية عالية دون تشويش أو حركة البتة، ومثل الأمسية الأولى قدمت الفرقة لحنا كويتيا من الفن السامري طوره وأعاد توزيعه الموسيقي الكويتي خالد النوري، فجاءت أغنية عبدالله فضالة (ألا يا أهل الهوا) عذبة وساحرة وبصبغة أوركسترالية عالمية.الآن وبعد نجاح الأمسيتين الموسيقيتين لفرقة أوركسترا لندن السيمفونية، يبقى السؤال: ما الخطوة التالية؟ لا شك أن حضور فرقة عريقة كأوركسترا لندن السيمفونية للكويت قد أضاف لسجل مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وسيشجع فرق الموسيقى الكلاسيكية العالمية الأخرى للحضور إلى الكويت. كما أن استمرار مشاركات الفرق العالمية بالأعمال الموسيقية الكلاسيكية على تشكيلاتها المختلفة كالموسيقى السيمفونية والأوبرا والباليه ستساهم مساهمة فاعلة في نشر ثقافة الموسيقى الكلاسيكية في الكويت، خصوصا بعد توافر الإمكانات اللوجستية والفنية ذات المستوى العالمي في مركز جابر الأحمد الثقافي. ما تبقى هو ضرورة استمرارية دعم المركز ماليا، فهذه الفرق مكلفة ماليا وتشكل عبئا على ميزانية المركز عند وضع برامجها، ومع بروز دور أوبرا عالمية في المنطقة كداري أوبرا دبي وأبوظبي اللتين تشكلان منافسة كبيرة لمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، أصبح دعم المركز وبرامجه ماليا وإعلاميا مسؤولية الجميع لوضع الثقافة في الكويت على خريطة المنطقة. ختاماً: برافو مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي.
مقالات
موزارت في الكويت
20-11-2017