وكأنه لم يعد يوجد في أميركا عقلاء، والمقصود هو هذه الإدارة التي على رأسها دونالد ترامب، والإدارة التي سبقتها التي كان على رأسها باراك أوباما، والتي سبقت التي سبقتها، وعلى رأسها جورج بوش الابن، حتى تخسر هذه الدولة العظمى أصدقاءها في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة، واحداً تلو الآخر، ولمصلحة روسيا الاتحادية، وريثة الاتحاد السوفياتي، الذي كان قياساً بما نراه الآن وما بقينا نراه منذ بدايات تسعينيات القرن، عظيماً وعملاقاً... وعظم الله أجره، والأخطر لمصلحة إيران، هذه الدولة التي كان يجب أن تكون صديقاً حميماً للعرب بعد ثورتها عام 1979، ولكنها تحولت للأسف إلى عدوٍّ مبين. لقد فاجأت إدارة ترامب، التي غير معروف من يديرها، الذين كانوا يراهنون على أنها قد تنجز حلاً "معقولاً" بين الفلسطينيين والإسرائيليين بتوجيه تهديدٍ لمنظمة التحرير بعدم تجديد تصريح مكتبها في واشنطن، ما لم تنخرط في مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين، وما لم تكف عن التهديد باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لوقف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وكل هذا وكأن الجهات الفلسطينية المعنية هي التي لا تريد تفاوضاً مباشراً "مجدياً" مع بنيامين نتنياهو، الذي شجعه السفير الأميركي في تل أبيب، ديفيد فريدمان، على المضي في تحديه للمجتمع الدولي والأمم المتحدة، بوصفه للاحتلال الإسرائيلي بـ "أنه مزعوم"!
وبالطبع فإنه لا ضرورة أن يتعجل الأشقاء الفلسطينيون بردٍّ تلقائي تهديدي بأنهم سيجمدون علاقاتهم بالولايات المتحدة في حال إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، إذ إن هذا هو ما يريده بنيامين نتنياهو الذي سارع إلى القول، وكأنه أميركي، إن هذا القرار "مسألة مرتبطة بالقانون الأميركي... إننا نحترمه ونتطلع إلى مواصلة العمل مع الولايات المتحدة لتحقيق تقدم في السلام والأمن بالمنطقة". وبالطبع إن هذا كذب واضح وفاضح، فالسلام المطلوب يجب أن يكون في فلسطين ومع الفلسطينيين، وليس في هذه المنطقة التي تعاني ألف مشكلة ومشكلة! كان على ترامب أن يفكر ملياً قبل أن يَصدر عن إدارته هذا التهديد الخطير الذي وجهته للفلسطينيين، وأن يدرك أنه إذا تم فعلاً تنفيذ ما هددت به هذه الإدارة فإنها ستضع في أيدي الإرهابيين والإيرانيين أيضاً المبرر الذي ينتظرونه لمواصلة تسويق إرهابهم، سواء في هذه المنطقة أو في العالم بأسره، وعلى أساس أن ما قاموا وما سيقومون به هو لمواجهة "العدو الصهيوني"، و"لتحرير فلسطين"، وأيضاً للرد على هذه المواقف الأميركية السيئة والرعناء!كانت إدارة بوش (الابن) قد فتحت أبواب العراق للإيرانيين، الذين باتوا يسيطرون عليه كما هو واقع الحال الآن، وكانت إدارة باراك أوباما قد فرطت في أهم حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط كله، وهو تركيا، التي يعد جيشها ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، بعد الجيش الأميركي، وها هو ترامب يستكمل ما كان بدأه سلفه "الديمقراطي"، فأصبح هذا البلد المحوري المهم جزءاً من المنظومة الروسية في المنطقة، وأحد أضلاع هذا التحالف الثلاثي الذي يضم روسيا وإيران و"الجمهورية الإردوغانية"... والتساؤل هنا: أليس هذا يا ترى جنوناً ما بعده جنون؟!
أخر كلام
ترامب والمواقف الجنونية!
20-11-2017