انزلقت ألمانيا نحو أزمة سياسية نادرة، مع فشل مفاوضات استمرت أكثر من شهر من أجل تشكيل ائتلاف حكومي إثر إعلان حزب الليبراليين انسحابه منها ليفتح المجال أمام عدة احتمالات، منها تشكيل المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل حكومة أقلية بالتحالف مع «الخضر» أو الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة.وقال رئيس «الحزب الديمقراطي الحر» الليبرالي كريستيان ليندنر في برلين، إن من «الأفضل للمرء ألا يحكم، عوضاً من أن يحكم بطريقة سيئة»، معتبراً أنه لم يكن بالإمكان إيجاد «قاعدة مشتركة» مع المستشارة.
وشكل انهيار المفاوضات، التي سعت ميركل إلى إنقاذها عبر جهود حثيثة، أمس الأول، ضربة لها بعد فقدانها الأغلبية المطلقة في البرلمان إثر النتائج الضعيفة، التي حققتها في انتخابات سبتمبر الماضي، مع تحول جزء من ناخبيها إلى حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف بعدما أغضبتهم سياستها المتحررة تجاه استقبال أكثر من مليون لاجئ سياسي منذ عام 2015.وفشل المفاوضات قد يعني عودة ألمانيا على الأرجح إلى صناديق الاقتراع مطلع 2018. في هذه الحال، ستجري الانتخابات من دون أن تكون ميركل على رأس الاتحاد الديمقراطي المسيحي.وحاول حزب ميركل المحافظ وحليفه البافاري حزب «الاتحاد الاجتماعي المسيحي» إيجاد أرضية مشتركة مع الحزب «الديمقراطي الحر» القريب من عالم الأعمال و«الخضر» لكن القضايا الخلافية كانت كثيرة، وتبدأ من سياسة الهجرة إلى ملف البيئة والأولوية الضريبية وأوروبا.
لقاء وأسف
وبعد ساعة تقريباً من الإعلان عن فشل المشاورات، قالت ميركل، إنها ستبلغ الرئيس الألماني فرانك فالتز شتاينماير بأنها فشلت في تشكيل ائتلاف حكومي مع الخضر والليبراليين. وأعلنت ميركل «أسفها» لفشل مفاوضات تأليف حكومة منبثقة من الانتخابات التشريعية الأخيرة، وقالت «آسفة لأننا لم نجد أرضية مشتركة».ووعدت المستشارة «بأن تفعل كل ما بوسعها من أجل إدارة البلاد بشكل جيد خلال الأسابيع الصعبة المقبلة». وأشارت إلى أنها ستتباحث مع شتاينماير، الذي يتوجب عليه بموجب الدستور أن يؤدي دوراً رئيسياً في المرحلة المقبلة.3 سيناريوهات
وتلوح في الأفق الآن، ثلاثة سيناريوهات محتملة للوضع السياسي المستقبلي في ألمانيا مع وضع مستقبل ميركل على المحك.ويتمثل السيناريو الأول في إجراء «التحالف المسيحي» مفاوضات تشكيل ائتلاف حاكم مع شريكه في الائتلاف الحالي الحزب الاشتراكي الديمقراطي. لكن الاشتراكيين الديمقراطيين يرفضون الدخول في مفاوضات ائتلاف كبير، حتى عقب فشل المفاوضات، التي أطلق عليها «جامايكا».وكان قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي أعلنوا عقب فشلهم التاريخي في الانتخابات رفضهم الدخول في ائتلاف جديد مع التحالف المسيحي، مؤكدين رغبتهم في الانضمام لصفوف المعارضة.ويدور السيناريو الثاني حول تشكيل حكومة أقلية تحت قيادة ميركل مع حزب الخضر أو الحزب الديمقراطي الحر، لكن ميركل ستحتاج حينها إلى تأييد عشرات من أصوات الكتل الحزبية الأخرى في البرلمان لهذه الحكومة.أما السيناريو الثالث، فهو إجراء انتخابات مبكرة، لكن الطريق لهذا السيناريو غير سهل دستورياً، لأنه لا يمكن إجراء انتخابات مبكرة إلا بعد انتخاب مستشار جديد للبلاد.وسيضطر رئيس البلاد في هذه الحالة لاقتراح شخص لتولي منصب المستشارية. وإذا اقترح الرئيس اسم ميركل وتم انتخابها في البرلمان من قبل غالبية ضئيلة وليس بأغلبية كبيرة كالمعتاد لتولي هذا المنصب، فإنه يمكن للرئيس حينها أن يعينها مستشارة لحكومة أقلية، ويمكنه أيضاً حل البرلمان وإعلان إجراء انتخابات مبكرة في غضون 60 يوماً.غير أنه الناخب الألماني، يبدو أن لا شهيّة لديه لإجراء انتخابات جديدة في حال فشلت المفاوضات بشكل نهائي، فقد أظهر استطلاع أن 50 في المئة يعارضون إعادة اجراء انتخابات مقابل 47 في المئة.اهتمام أوروبي
وفي وقت يُرجّح أن تبدأ مرحلة غموض سياسي كبير في ألمانيا وأوروبا، إذ ينتظر شركاء برلين لمعرفة من سيعمل معهم على مشاريع إنعاش الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، التي تُناقش منذ اسابيع، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قلقه إزاء فشل مفاوضات تشكيل ما يعرف بحكومة «جامايكا» الائتلافية في ألمانيا.وقال الرئيس الفرنسي، الذي يعتقد أنه سيكون أكبر الخاسرين خارج ألمانيا في حال فشل ميركل: «ليس من مصلحتنا أن يتعثر الأمر».