الشباب ومعرض الكتاب
للأسف، صار الحديث عن معرض الكويت للكتاب، منذ أعوام، يأتي مقترنا بالرقابة، وقلت بصراحة ومراراً رأيي في الرقابة، وأنها أصبحت في عصر ثورة الإنترنت ومحركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي، وإمكانية تحميل أي كتاب من الكمبيوتر، شيئاً من مخلفات الماضي، وصارت عبئاً ثقيلاً في رقبة المعرض.إن زيارة واحدة لمعرض الكويت للكتاب، كفيلة بأن تضع الزائر أمام مشهد ثقافي حيّ ومتحرك، ومليء بالجديد على مستوى حياة المعرض، التي تجاوزت أربعة عقود، منذ المعرض الأول عام 1975. ويمكن رصد أكثر من جديد على النحو التالي:أولا: دور النشر الكويتية، فقد مرَّت عقود كان الكاتب الكويتي يتجه بنتاجه الإبداعي إلى الناشر العربي في مختلف العواصم العربية، لكن خلال العقد الأخير، انطلقت أكثر من دار نشر كويتية، لتشكل مظهراً إيجابياً وجديداً على الساحة الثقافية الكويتية عامة، وعلى المعرض خاصة. بل إن السنوات القليلة الماضية شهدت سباقاً محموماً لتأسيس شركات نشر كويتية، وتحوَّل المشروع الإبداعي الأدبي الثقافي الإنساني إلى مشروع تجاري بحت. وهذا ليس عيباً، ففي كل دول العالم المتقدم تحتل تجارة النشر مساحة كبيرة، ولها مردود بالملايين. لكن ما يؤخذ على بعض الناشرين الكويتيين، هو الكمِّ الكبير للأعمال السطحية الهابطة، التي يُكتب على غلافها كلمة رواية أو مجموعة قصصية أو مجموعة شعرية أو خواطر، وهي تفتقر إلى أبسط العناصر الأساسية للكتابة الإبداعية.
صحيح أن هناك أعمالاً جيدة ومبشرة، لكنها الأقل النادر، فيما الكمّ الأكبر أعمال بائسة بحاجة لوقفة جادة من الكاتب والناشر. وهنا أرى أن الناشر الكويتي يتحمَّل مسؤولية ثقافية تاريخية كبيرة في فرز الغث من السمين، وأن يكون حريصا على سمعة داره وسمعة الكويت، عبر طباعة أعمال إبداعية حقيقية، لا أعمال مخجلة، وواحدة من سبل ذلك، هي تكوين لجان قراءة تفرز بصدق واحترام ما يجب طباعته، وما يجب رميه في سلة المهملات.ثانياً: حفلات التوقيع ليست بدعة جديدة على معارض الكتب، لكن الجديد هو هذه التجمعات اللافتة لشباب في عمر الورد، فتيات وأولاد. تدافع وصراخ، وكل فتاة أو شاب يحمل نسخته مشوحاً بها، ليحصل على توقيع وصورة "سلفي"، مع الكاتب المشهور، وحين تتصفح إنتاج هذا الكاتب المشهور تشعر بالضيق والحسرة، فلا علاقة بين كتابته والإبداع، بل تُصاب بالحزن لهكذا تجمع حول هكذا كتابة، لكن هذا الكاتب جاء بجمهوره عبر "الميديا"، وعبر حضوره بوسائل التواصل الاجتماعي. وهنا لي وجهة نظر، وهي أن القراءة ممارسة ومهارة إنسانية، ولأنها كذلك، فإنها قادرة على تطوير نفسها، وبالتالي فإنني أشعر بالفرح لوجود هؤلاء الشباب وحرصهم على اقتناء كتاب، وأكاد أكون متأكدا أن التخبط في القراءة سيقود في وقت ما إلى تطور الذائقة، وبالتالي نبذ البائس، والسعي نحو الجيد المستحق. ثالثاً: كتب الأطفال، وإذا كان بعض الناشرين في الكويت يتحمَّلون مسؤولية تردي مستوى بعض كتبهم، فإن المتصفح لكتب الأطفال، ومن مختلف الناشرين العرب، يرى العجب العجاب. فنحن في الوطن العربي نفتقر إلى كاتب الأطفال المتخصص والمعروف. لذا، فإن معظم كتب الأطفال المطروحة في دور نشر الأطفال لا علاقة لها بالعصر، وأقل ما يُقال عنها إنها مضرّة وتسيء للطفل، وتعزله عن اللحظة الإنسانية العابرة، سواء على مستوى الحكاية، أو مستوى الرسومات، أو مستوى نوع الورق والطباعة. وإذا كان الإنسان البالغ يمتلك أن يطور ذائقته، فإن ذائقة الطفل أمانة، لذا أتمنى من أولياء الأمور التدقيق في اختياراتهم لكتب أطفالهم.رابعاً: سرقات حقوق الملكية، وهذا موضوع قد يبدو جديداً للبعض، لكنه في صلب قضية النشر العربي، فالكثير من دور النشر تأخذ النتاج، وتحديداً نتاج الكاتب الأجنبي، وتترجمه وتنشره دون الرجوع لحقوق ملكية الكاتب أو ورثته. بل إن الوضع السيئ وصل حد قيام دور نشر عربية بطباعة ونشر كتب معروف وكيلها العربي دون استئذان أو اتفاق معه. وكم هي مخجلة الخلافات والدعاوى بين بعض المترجمين والناشرين العرب. معرض الكويت للكتاب مناسبة ثقافية كبيرة، لذا يجب ألا تمر دون الاحتفال بها وبما تستحق من اهتمام.