لطالما تعاملنا ككتاب ومهتمين بسلوكيات العنف والفكر المتطرف بالمطالبة بتقييم واختبار الثقافة السياسية لأبنائنا الطلبة بشكل خاص والفئة الشبابية بشكل عام، وفي أغلب الأحيان نشعر بضيق الحيل أمامنا وأمام زملائنا من المختصين والمهتمين بدراسة أسباب العنف والتطرف لصعوبة تفسير انتشار التطرف الفكري والعنف بأنواعه اللفظي والمرتبط بالسلوك.وفي السياق ذاته ضاقت الحيل أيضا أمام المحللين السياسيين فلم يجد البعض بدا من اللجوء إلى "الفيوجن"، وهو مصطلح يشير إلى الدمج أو التمازج بين أنواع مختلفة من أصناف الأكل وأنواع العلم والمعرفة أيضا كعلم الاجتماع والسياسة.
وامتد نهج الدمج عبر العلوم فتوصل إلى الأدوات التحليلية بأنواعها السلوكية والواقعية والمثالية وغيرها، واتجهت نتيجة لذلك الأنظار للعلوم الأخرى كعلم الإدارة والاجتماع وعلم النفس لخلق التمازج بين العلوم المختلفة كوسيلة لإضفاء النظرة الواقعية لقضايانا والتوصل لأسباب انتشار العنف بأنواعه.منذ زمن الإغريق وعلوم الثقافة والسياسة تمر بموجات من التجديد وسط شعور علماء السياسة والاجتماع بالحاجة إلى أنساق تحليلية جديدة.فاقترح البعض البحث في الثقافة السياسية ضمن الأدوات التحليلية رغم ضبابية الرؤيا تجاه دور الثقافة في تحليل اتخاذ القرار أو السلوك أو حتى اللجوء إلى أعمال العنف والشغب.ولم يقتصر الاختلاف في استخدام النظريات والأدوات التحليلية لتفسير العنف والتطرف على الباحثين، بل امتد إلى الكتاب والمهتمين أيضا، وقد اتضح ذلك من خلال الرؤى المختلفة في تصنيف الثقافة السياسية التي يرى الباحث "لوشيان" أنها مجموع المشاعر والمعتقدات والاتجاهات التي تؤثر تأثيرا مباشرا على تصرفات الأفراد تحت مظلة نظام سياسي معين، أما الباحث "باي" فيراها مرتبطة بالمثل والمعايير التي تؤثر ويتأثر بها المجتمع، وبين لوشيان وباي يأتي روي ليضيف إلى الفيوجن الثقافي والسياسي قليلا من الأفكار، وذلك عبر إضافة محور جديد وهو الفردية في التأثر والاعتماد على السلوكيات في بناء المواقف تجاه الأحداث. وما يثير القلق هو ارتباط انتشار ثقافة العنف والسلوك العدواني بتحدي مكونات الثقافة السياسية من أيديولوجيا وهوية الانتماء السياسي؛ لذلك تبرز الحاجة لتشجيع الباحثين على اقتحام أو "مداهمة" مفاهيم الثقافة السياسية، والبدء بالمؤسسات التعليمية، من المراحل الدراسية المبكرة والاستفادة من الطاقات البشرية من الباحثين الاجتماعيين لدراسة أسباب العنف والتطرف أو المبالغة بالمواقف، بالإضافة إلى استخدام الطرق الإحصائية. وفي النهاية أقترح تشكيل لجنة من الباحثين الاجتماعيين والتربويين لدراسة التغير في سلوك الطلبة في جميع المراحل والتوصل إلى أسباب التوتر والعنف واختبار مدى حصول الطالب على الفرص الكافية ليعبر عن رأيه بحرية، بالإضافة إلى قياس مدى توافر الأساليب الديمقراطية في اتخاذ القرار في الفصول الدراسية.وللحديث بقية.
مقالات
العنف ومؤسساتنا التربوية
22-11-2017