من الرحالة الأجانب المشهورين الذين تحدثوا عن المدينة المنورة، ريتشارد بيرتون (Burton) (1890-1821) الذي تظاهر بالإسلام وزار مكة والمدينة، وكتب عن رحلته كتابا معروفا بعنوانPilgrimage to Al-Madina and Meccah، وهو مترجم إلى العربية تحت عنوان "رحلة بيرتون إلى مصر والحجاز"، في 3 جزاء، القاهرة 1995، ويقول في الجزء الثاني، ص29: "المسلمون السنّة من أتباع مذهب الإمام مالك يعتقدون أن المدينة المنورة أكثر شرفا وأعلى مرتبة روحية من مكة المكرمة، لوجود قبر محمد- صلى الله عليه وسلم- فيها، ويقول بعضهم إن الرسول- صلى الله عليه وسلم- فضل المدينة المنورة كملجأ له (دار هجرة) وباركها، تماما كما بارك إبراهيم مكة المكرمة". ويقول: "نهب الوهابيون السلفيون القبر بعنف Sacriligious Violence، ومنعوا الزائرين القادمين من أقاصي المعمورة من دخول المدينة". ويعارض هذا مترجم الكتاب د. عبدالرحمن الشيخ في هامش ص30 قائلا: "السلفيون يوقرون المسجد النبوي ويحترمونه ويدعون لشد الرحال إليه لكنهم يمنعون التمسح بقبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو التوجه بالدعاء للرسول (صلى الله عليه وسلم) باعتبار ذلك شركا". ماذا عن مخطوط العدساني "عدة الناسك"، وهل فيه إشارة إلى زيارة المدينة والضريح النبوي؟ تقول الباحثة عائشة العدساني: "تجدر الإشارة إلى أن المخطوطة تضمنت فصلا خاصا بزيارة الرسول، صلى الله عليم وسلم، وهذا الفصل إما من زيادة الناسخ، أو أصله من المؤلف، لكن أضاف عليه الناسخ من إضافات تتفق وطريقته الصوفية (النقشبندية) والإضافات هي:1 - طلب الشفاعة من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
2 - الجلوس على الحجر الذي كان النبي، صلى الله عليه وسلم، جلس عليه عند مسجد بني ظفر والاعتقاد بأن كل امرأة تعدم الولد تجلس عليه إلا حملت، وكل واحد يقصده ويدعو فيه للولد إلا أعطيه.3 - طلب الشفاعة من آل البيت".وتضيف الباحثة "عائشة العدساني"، وكأنها تحاول تجنب انتقادات السلفيين أو مداراة نفوذهم، فتقول: "إن كتب الشافعية التي استقى المؤلف منها معلوماته لم تتضمن هذه الأفعال، بل اقتصرت على الزيارة، وطلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم، وزيارة البقيع، وجبل أحد، واستحباب الزائر للمدينة إتيان سائر المساجد، والمشاهد بالمدينة، والآبار" وتضيف: "الجدير بالذكر أن بعض هذه الكتب ذكرت الزيارة فقط دون الدخول بالتفاصيل وأخرى ذكرت تفاصيل الزيارة" (ص39- 40).وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين، وهو من كبار شيوخ السلف، بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى عن الدفن في المساجد، "ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذر أمته، ويذكر (صلى الله عليه وسلم) أن هذا من فعل اليهود والنصارى، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل، لأن إقامة المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل في أصحاب هذه القبور، فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد ينفعون أو يضرون، أو أن لهم خاصية تستوجب أن يتقرب إليهم بالطاعات دون الله سبحانه وتعالى". وتضيف فتوى ابن عثيمين: "يجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة، وأن تكون المساجد خالية من القبور، مؤسسةً على التوحيد والعقيدة الصحيحة... هذا هو واجب المسلمين".وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية (9 /82، 83) بشأن حكم بناء القباب على القبور، وهل يحتج بقبة القبر النبوي في جواز بناء القباب على باقي القبور كالصالحين وغيرهم، ونص فتوى اللجنة: "لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) على جواز بناء قباب على قبور الأموات، صالحين أو غيرهم، لأن بناء أولئك الناس القبة على قبره (صلى الله عليه وسلم) حرام يأثم فاعله، ولأن بناء القبور واتخاذ القباب عليها من وسائل الشرك بأهلها، فيجب سد الذرائع الموصلة للشرك وبالله التوفيق". ولا يجيز علماء السلف كذلك لبس السواد ووضع الزهور على القبور والوقوف دقيقة صمت بما في ذلك قبور الشهداء وقبر الجندي المجهول وإقامة احتفال للشهداء، كما أفتت اللجنة بأنه "لم يثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قرأ سورة الفاتحة أو غيرها من القرآن على أرواح الشهداء، وقد كان كثيرا ما يزور القبور، ولم يثبت أنه قرأ على من فيها قرآنا، إنما كان يستغفر للمؤمنين، ويدعو لهم بالرحمة".وقد أفتى ابن عثيمين في أحكام الجنائز بأن "الراجح من أقوال أهل العلم أن القراءة على القبر بعد الدفن بدعة، وأيضا اجتماع الناس في البيوت للقراءة على روح الميت لا أصل له". (الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية من فتاوى علماء البلد الحرام، د.خالد بن عبدالرحمن الجريسي، الرياض، 2009، ص 818-829.وبالطبع، لا تعبر هذه الفتاوى عن سائر المذاهب الإسلامية التي تختلف عن المذهب الحنبلي السلفي.
مقالات
عائشة العدساني... ومخطوط «عدة الناسك» (2-2)
22-11-2017