بعد لقائه المفاجئ أمس الأول مع الرئيس السوري بشار الأسد، جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، في سوتشي، نظيريه التركي رجب إردوغان والإيراني حسن روحاني، للعمل من أجل تسوية بعيدة الأمد للحرب الدائرة في سورية منذ عام 2011، والتي تخللها حرب ضد جماعات جهادية إرهابية. وقبل أيام من استئناف المفاوضات الخاصة بسورية برعاية الأمم المتحدة في جنيف، قال بوتين لدى استقبال إردوغان وروحاني: "ظهرت فرصة حقيقية لإنهاء هذه الحرب الاهلية التي تعود الى عدة سنوات"، متابعا: "بفضل جهود روسيا وايران وتركيا تمكنا من تفادي انهيار سورية ومنع وقوعها في أيدي إرهابيين دوليين".
وأضاف انه تم بلوغ "مرحلة جديدة" في الأزمة السورية، لكن الوصول إلى حل سلمي سيتطلب تنازلات من كل الأطراف، بما فيها الحكومة السورية الموالية لحليفه الأسد.من ناحيته، قال روحاني، الذي أعلنت بلاده أمس الأول بطريقة مستغربة نهاية تنظيم داعش في سورية والعراق، إن "الطريق ممهد لتسوية سياسية في سورية"، مضيفا: "نحن نحتاج لاجتثاث آخر خلايا الإرهاب في سورية".بدوره، ذكر إردوغان ان "من المهم لجميع الأطراف أن تساهم في حل سياسي يكون مقبولا للشعب السوري"، مؤكدا أن "قرارات حيوية ستتخذ لحل الأزمة السورية".وقبل اللقاء، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، للصحافيين، إن القمة "حدث غاية في الأهمية"، في إطار جهود إنهاء النزاع الدائر منذ ست سنوات، والذي خلف أكثر من 330 ألف قتيل، وارغم الملايين على النزوح أو اللجوء داخل وخارج البلاد.وترعى روسيا وإيران حليفتا دمشق وتركيا، التي تدعم فصائل معارضة سورية، مفاوضات تجري في أستانا بين المعارضة السورية والنظام، نجحت في إقامة "مناطق لخفض التوتر" في إدلب (شمال غرب) وحمص (وسط) والغوطة الشرقية المتاخمة لدمشق، وكذلك في الجنوب.وجرت سبع جولات محادثات في أستانا هذه السنة جمعت حول الطاولة ذاتها ممثلين عن النظام والمعارضة السورية، وركزت على المسائل العسكرية والفنية، فيما كانت محادثات جنيف تراوح مكانها.وسيبحث الرؤساء الثلاثة إمكانية عقد "مؤتمر حوار وطني سوري"، وهو مشروع أعلنته موسكو في أواخر أكتوبر، على أن يجمع النظام والمعارضة السورية في سوتشي، غير أن مكونات رئيسية في المعارضة السورية رفضت المشاركة فيه، مبدية تمسكها بمفاوضات جنيف.وأجرى بوتين مساء أمس الأول مكالمة هاتفية مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، رغم تدهور العلاقات بين البلدين، ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد.ووفق الكرملين فإن بوتين اكد لترامب "استعداده للعمل بشكل فاعل للتوصل الى تسوية طويلة الامد للنزاع"، استنادا الى قرارات الامم المتحدة، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة "الحفاظ على سيادة ووحدة واستقلال سورية".كما أعلن البيت الأبيض أن الرئيسين شددا على الحاجة إلى إيجاد "حل سلمي للحرب الأهلية السورية، وإنهاء الأزمة الإنسانية، والسماح للاجئين السوريين بالعودة الى بلادهم، وضمان الاستقرار في سورية موحدة بعيدا من التدخلات وخالية من الملاذات الآمنة للإرهابيين".وكان بوتين وترامب أصدرا بيانا مشتركا في 11 الجاري، رفضا فيه أي "حل عسكري" داعيين الى "حل سلمي" في إطار عملية جنيف، غير أن البلدين يكشفان بصورة شبه يومية منذ ذلك الحين عن تعارض في مواقفهما بشأن سورية.
«مؤتمر الرياض 2»
من جهة اخرى، بدأت قوى المعارضة السورية في الرياض أمس مباحثات لتشكيل هيئة مفاوضات ينبثق عنها وفد جديد إلى محادثات جنيف، التي ستتناول مسألتي الدستور والانتخابات في سورية، في وقت يتحدث محللون ومعارضون عن ضغوط تمارس للقبول بتسوية تستثني مصير بشار الأسد.وجرت المباحثات في حضور مبعوث الأمم المتحدة الخاص الى سورية ستيفان ديمستورا، الذي اعلن انه يعتزم التوجه اليوم الى موسكو.وأكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في كلمة له خلال افتتاح مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، الذي اطلق عليه اسم "مؤتمر الرياض 2"، ان الأزمة السورية "تمر بمرحلة دقيقة، وهي تعيش عامها السابع"، مستبعدا إمكانية التوصل لحل ينهيها دون "توافق وإجماع يحقق تطلعات الشعب". وقال الجبير إن "المسار السياسي في سورية يجب أن يستند إلى جنيف 1 والقرار الدولي 2254"، مضيفا أن "اجتماع اليوم سيفتح آفاقا جديدة للحل في سورية، ويأتي في ظل توافق دولي على ضرورة الحل السياسي للأزمة السورية".وأشارت مصادر مطلعة في المعارضة السورية إلى أن "البيان الختامي للرياض 2 سيرتكز على قرارات الأمم المتحدة حول الأزمة السورية، خصوصا القرارين رقمي 2254 و2118".واضافت المصادر ان المجتمعين تمسكوا برحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، موضحين أن البيان الختامي الذي سيعلن الجمعة سيكون جامعا لكل جوانب الأزمة السورية السياسية والعسكرية. وسبق افتتاح المؤتمر استقالات في صفوف كتل المعارضة المتنوعة وتغييرات وجدل حول الوفود المشاركة، كان آخرها اعلان منصة موسكو للمعارضة مقاطعته.ولطالما شكل مصير الأسد العقبة الرئيسية التي اصطدمت بها جولات المفاوضات كافة، مع رفض دمشق المطلق مناقشة الموضوع أساسا، فيما تمسكت به المعارضة كمقدمة للانتقال السياسي.وتعتبر موسكو وطهران أن تنحي حليفهما سيؤدي الى الفوضى، في حين يرفض المعارضون المدعومون من انقرة، ومعهم الغربيون، اي حل يكون الاسد طرفا فيه انطلاقا من اعتبارهم ان النظام السوري مسؤول عن ارتكاب فظاعات.ويبقى السؤال مطروحا عما إذا كانت قمة سوتشي بجنوب غرب روسيا ستتمكن من تحقيق تقدم على ضوء الخلافات القائمة في وجهات النظر بين مختلف الأطراف، وفي غياب أطراف أساسية مثل الولايات المتحدة والسعودية والأردن.