الأمان المفقود!
![مسفر الدوسري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1507745577082709700/1507745592000/1280x960.jpg)
كل فرد له نصيبه من الخوف، بما لا يقل عما يظن أنه يملك من العقل. كلنا يفتح قدر ما يستطيع من نوافذ خوفه من باب الحذر، والحذر كما نعرف من صفات العقلاء. وبالطبع، كلما زاد حذر المرء دل ذلك على بُعد النظر وسعة العقل، والمحصلة ازدياد نوافذ الخوف التي تُفتح، وازدياد الحاجة للأمان.إن الإنسان المعاصر محاط بدائرة من الخوف لا تكف عن الاتساع، فأصبح أكثر هلعا وحذرا، وأكثر حاجة وإلحاحا في طلب الأمان، الأمان في حياته اليومية، الأمان على مستقبله أو مستقبل من هو مؤول عنهم، الأمان من أعدائه وأصدقائه على السواء، الأمان ممن أحبهم وممن لم يحبهم، الأمان من المرض، من العجز، من الحاجة، من التلوث في الهواء أو الفن، من انحطاط المثقفين، من تسلّط السلطات، من غباء الساسة، من الحروب، من حادث ما، من سكتة قلبية، من الأطعمة الفاسدة أو السريعة. بشديد الاختصار، أصبح الإنسان بحاجة للأمان مما يتنفس، ومما يأكل ويشرب ويلبس، ومن كل ما يحيط بحياته، حتى تلك الوسائل التي اخترعها لخدمته ورفاهيته، اضطر في نهاية الأمر إلى إيضاح سلسلة من الشروط والإجراءات للأمان من أضرارها، أو مما قد تسببه، وكل عاقل يستدعي بالضرورة حذره، ليبتكر وسائل أمان يتحصن خلفها ضد مخاوفه، إلا أن وجود وسائل الأمان تلك يعني وجود خوف ما نحتمي منه، ووجود الخوف يلغي وجود الأمان، إذ لا يجتمع الخوف والأمان معا، والنتيجة أننا حُشرنا في نفق ضيق من وسائل الأمان، بحثا عن أمان لا وجود له، وما تلك إلا وسائل لسدِّ ثغرات الخوف فينا.أصبحت حياتنا لهاثا مسعورا لسد ثغرات الخوف التي نكتشفها أو نتوهمها أو تُسوّق لنا من قبل آخرين ونشتريها، نقضي الحياة في تأهب لا يتوقف، لمواكبة ما تفاجئنا به نشرات الأخبار، وإعلانات الصحف، ووسائل الإعلام المختلفة، والإشاعات في كل يوم جديد، بوجود ثغرة خوف فينا جديدة فُتحت، وعلينا أن نسارع بسدها بخِرْقة أمان، إلى أن أصبحت حياتنا ثوبا مرقعا بخرق من الأمان، ونكتشف كم أن المعادلة صعبة: لكي نحرر حياتنا من سجن خوفنا، علينا أن نكف البحث عن الأمان!