كتاب "السمراء التي أحببت"، للكاتبة أروى الوقيان، أحداثه ليست من نسج خيالها، فهي تسرد لنا مُشاهدات إنسانية واقعية، وتنقل لنا أوضاع بشر مثلنا، لكنهم يعيشون في ظروف مختلفة عنا، يحيط بها الفقر والعوز وقلة الحال. يضم الكتاب 188 صفحة من القطع المتوسط، إصدار 2017.في البدء تقول الكاتبة: "إلى تلك القلوب التي لم تحرمني يوما من الدعاء، إلى جميع الغرباء الذين أصبحوا أصدقاء، إلى جميع الجنود المجهولين في القارة السمراء، أُعرفهم على السمراء التي أحببت".
وتكمل، وكأنها تخاطب المتلقي الذي يعرفها وهي في رحلة لمدن إفريقية: "أفرد جناحك وحلِّق. هناك متسع من الوقت لتحقيق أحلامك، لا تنتظر أحدا".تتمنى أروى أن يعيش البعض تجربتها في الترحال، ليس إلى مدن أوروبية للترفيه والسياحة، إنما إلى قرى إفريقية، للتطوع وتقديم المساعدات، والتنقل عبر مسالك رملية محفوفة بالمخاطر، وفي بيئتها أمراض شتى لا تعد ولا تحصى. الوقيان كاتبة وصحافية كويتية، خريجة جامعة الكويت قسم الإعلام، وتعمل كمحررة أولى في وكالة الأنباء الكويتية، ولها مساهمات في كتابة المقال والرواية، قامت بعدة رحلات تطوعية إلى الهند ولبنان والأردن وجيبوتي وأربيل وتركيا وزنجبار، وهي عضو في أكثر من فريق تطوعي إنساني، صدر لها من قبل كتاب "في الهند التقيت ذاتي" عام 2014، ورواية "فلتكوني بخير" عام 2016، وفازت بجائزة المرأة العربية عن فئة الإعلام عام 2011.نجحت الكاتبة في صياغة مادة الكتاب، فقد جاء بلغة راقية تخرج عن لغة الصحافة إلى اللغة الأدبية التي تشدك عبر الحروف والجُمل، لهذا نرى سطورا تدفعك للاستمرار مع مادة الكتاب، وتتعايش معها بانبهار، وهي تسرد تجربتها الإنسانية؛ تجربة التطوع، حيث وجدت ذاتها التي تبحث عنها، لهذا تكتب تحت عنوان "التقيت ذاتي مرة ومرات"، ولنقرأ لنتعايش معها: "لم أجد ذاتي إلا في تلك البقع الفقيرة، تلك التي تضم المعوزين والفقراء واللاجئين والأقليات".وتقول: "بات جليا لي أني لا أجد ذاتي إلا بعد أن أعانق السماء، سألتني صديقة ذات مرة؛ لماذا تشتاقين لسفر التطوع، وأنت تستمتعين برفاهية سفر السياحة؟ وهي صادقة في تساؤلها، لكن مَن يصدق إجابتي، التي ستبدو وكأنني أتصنَّع تواضعاً لا يشبهني، وبساطة تشبهني. حقيقة أنا رغم حبي لسفر السياحة، فإنه لا يعلق بذاكرتي كسفر التطوع".وتكمل: "أنا عن نفسي حين أحلم بشيء لا أنتظر المعجزات لكي تتحقق، بل أسعى سعي فلاح في أرض مقفرة، لا أرتاح ولا أنام حتى أحققه".
ترحال ومخاطر وابتسامة
وفي فصل آخر من الكتاب تتحدث أروى عن معاناة إجراءات السفر لبلدان إفريقية، وعن التخوف من الإصابة بأوبئة من هنا وهناك، والالتزام بالتطعيم ضد الأمراض المنتشرة في تلك القارة، وعن صعوبة ومخاطر التنقل في الطرق والمسالك غير المعبَّدة.وننقل من رحلتها إلى دولة بنين، حيث تقول: "كيف لمعجون أسنان ولعبة، أن تسعد أشخاصا لدرجة الاحتفال؟ في أحد الصفوف تم شكرنا والرقص من شدة الفرح على ملابس مستعملة وألعاب ومعجون أسنان، كيف لي أن أستغرب سعادتهم وهم لا يملكون شيئاً، ورغم ذلك كنت أستغرب في كل مرة".وتضيف: "ضحكات تلك العجوز التي قلتُ لها إنها جميلة لا أنساها، يبدو وكأنها منذ زمن لم تسمع شيئاً جميلاً، منهكة معلولة، تبحث فقط عن قوت يومها، ما كانت لتتوقع أن أقول لها كم أنت جميلة!".كتاب ووجوه
الكتاب جاء بعرض وطرح ممتازين، نكتشف فيه الروح الإنسانية للكاتبة، واكتشافها لذاتها عبر التطوع الإنساني لمساعدة أناس لا تعرفهم، ووجوه لم ترها من قبل، لتسمع كلمات تنعش روحها، وتتألم وهي تلمح تلك النظرات الزائغة والأجساد النحيلة، عن ذلك الفرح المباغت مع بارقة أمل، عن تلك الأيادي التي تتعطش للراحة، عن أولئك النسوة اللاتي لم يعرفن سوى الشقاء.مؤكد أننا نشد على يد الكاتبة، وهي تقدم لنا نموذجاً لفتاة كويتية ترفع مساهمات هذا الوطن في شتى صور أفعال الخير. لم نقتبس إلا القليل من مادة هذا الكتاب القيِّم، ونترك لمن يقع بين يديه اكتشاف صور أخرى، وتقارير مهنية قامت بها الكاتبة مع جمعيات خيرية كويتية، منها جمعية العون المباشر وغيرها.