الصين المستفيد الحقيقي من الأزمة الأميركية-الروسية
تشير دراسة نُشرت قبل أيام عن واحد من مشاريع كثيرة تتناول هذه الأيام التدخل الروسي المزعوم في العملية الانتخابية لهذا البلد أو ذاك، إلى أن أكثر من 150 ألف حساب باللغة الروسية على موقع "تويتر" نشرت عشرات الآلاف من الرسائل باللغة الإنكليزية حضت فيها بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي في الأيام التي سبقت استفتاء السنة الماضية بشأن هذه المسألة.على نحو مماثل تتهم وسائل الإعلام الإسبانية روسيا بتأدية دور كبير في أزمة استقلال كتالونيا باستخدامها محطاتها الإعلامية الحكومية، مثل RT وSputnik، فضلاً عن جيوشها من المحرضين على "فيسبوك" و"تويتر"، كجزء من استراتيجية تشجّع حركة الانفصال الكتالونية. وكما في مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، اتُّهمت روسيا بمحاولة إضعاف الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وزعزعة الغرب.لننسى تأثير سياسة الهجرة التي اتبعتها ميركل في الشعب البريطاني، وانعكاس انتقاد المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون "أنصار ترامب المحزونين"، ونهضة الحركات الانفصالية في كتالونيا، هذا إذا لم نذكر التبدلات البنيوية الاقتصادية والسياسية العميقة التي تجتاح الغرب كرد فعل تجاه العولمة غير المضبوطة والهجرة الجماعية وتجاه النخب في مجالَي السياسة والأعمال.
ولكن لا بدّ من الإشارة إلى ما يظهر جلياً: لا تخوض الولايات المتحدة وروسيا حرباً، ويحافظ الأميركيون على روابط دبلوماسية واقتصادية واسعة مع الروس لا تختلف عما يجمعهم بالشيوعيين الصينيين والحكام السعوديين، ولا عجب في أن ينفق الصينيون، والسعوديون، والروس، والإسرائيليون، وغيرهم من الأصدقاء والأصدقاء-الأعداء مبالغ كبيرة من المال لاستمالة الحلفاء السياسيين في واشنطن أو توسيع عملياتهم التجارية في الولايات المتحدة، ويوضح هذا أيضاً لمَ يحافظ أي ناشط سياسي أو عضو بارز في مجموعات الضغط على نوع من العلاقات مع هذه الدول.من الممكن اعتبار حملة تشويه صورة روسيا الحالية بوصفها بالخطر الكبير الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة وقيمها وبتصوير الرئيس بوتين كما لو أنه الشرير الأكبر في العالم امتداداً للحرب الباردة واتباع تلقائياً نموذج سياسة خارجية يشعر الجمهوريون والديمقراطيون بالراحة في التعاطي معه، لكن هذا يعكس غشاً فكرياً، نظراً إلى الشراكات الأميركية مع قتلة جماعيين مثل ماو وستالين، ويخالف بالتأكيد مصالح الولايات المتحدة. أولاً، يحول انشغالنا بالخطر الروسي المزعوم دون تعاوننا مع موسكو في تعاطينا مع المصالح المشتركة في الشرق الأوسط وغيره من المناطق، مع أن هذا كان هدف ترامب من تواصله مع موسكو، فقد أمل عقد صفقة تنهي الحرب الأهلية في سورية وتحدّ من كلفة التدخل الأميركي في الشرق الأوسط.علاوة على ذلك، تشكّل الصين لا روسيا، تلك القوة من الدرجة الثانية، التحدي الطويل الأمد الذي تواجهه القوة العسكرية والاقتصادية الأميركية العالمية.نتيجة لذلك يعود هوس الولايات المتحدة المتواصل بروسيا بفائدة مباشرة على الصين، شأنه في ذلك شأن التدخلات العسكرية التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط، ويقلل احتمال أن تتمكن واشنطن من تطوير استراتيجية فاعلة للتعاطي مع الصين تشمل التعاون مع موسكو في هذا المجال بالتحديد.في المقابل لا يحقق الاستمرار في رواية المؤامرة الروسية أي هدف غير تشجيع الصين وروسيا على تعميق تعاونهما واستهداف المصالح الأميركية، ولا شك أن هذا لا يشكّل دعابة مضحكة.* ليون هادار* «ناشيونال إنترست»