العطلة اختراع حديث بدأ مع الثورة الصناعيّة والتغيير الذي أحدثته في نمط حياة العامل الحديث. يعمل معظمنا ثماني ساعات يومياً مدة خمسة أو ستّة أيّامٍ في الأسبوع . حتى إن بعض القطاعات يفرض على العمّال أكثر من ثماني ساعات يومياً. لذا وجدت العطلة لتكون مرحلة يستمتع الأشخاص خلالها إلى أقصى الحدود ويغادرون إلى مكانٍ جديد فيعيشون تغييراً حقيقيّاً وينفقون ما ادّخروه خلال السنة. هكذا، تكافأ سنة من الاجتهاد بإجازة تكون غالباً تحت أشعّة الشمس. ربّما لاحظت إلى أيّة درجة يرتبط مفهوم العطلة بالاستهلاك.
كيف كانت الحال في السابق؟
قبل الثورة الصناعيّة لم يكن العمل أقلّ قسوة، بل كان متنوّعاً، ذلك بحسب القطاع والمكانة الاجتماعيّة للعامل. شهد قانون العمل تطوّراً فعليّاً بالنسبة إلى من كانوا متضرّرين من ساعات العمل التي لا تنتهي والرواتب العشوائيّة والالتزامات الكاذبة على مستوى التأمين الصحي وغيرها... أمّا بالنسبة إلى شريحة كبيرة من الناس فلم يكن هذا تقدّماً بالضرورة. إذا أعدنا عقارب الساعة إلى الوراء واعترفنا بأنّ البشر عملوا في الحقول ليعيشوا مباشرة من ثمار أرضهم، نفهم الصورة جيّداً.كان العامل المتوسّط يملك قطعة أرضٍ صغيرة تطعمه وعائلته، وإلّا امتهن حرفة تسمح له بصنع الأنسجة والجلود وغيرها... تندرج هذه المهن ضمن إطار الاقتصاد الحرفي (على عكس الاقتصاد الصناعي). كان العامل يتمتّع بعطلة يوميّة لأنّه كان يقرّر بنفسه متى يبدأ يومه وحجم المهمات والفترات المناسبة التي يعمل خلالها. على سبيل المثال، يعمل في الصيف أكثر من الشتاء إذا كان البرد قارساً في المنطقة التي يعيش فيها أو العكس، فيعمل أكثر في الفصل البارد هرباً من الحرّ الشديد خلال الصيف في المنطقة التي يسكنها. بعبارة أخرى، كانت الحياة تسير بحسب أقرب نمط إلى الطبيعية، أي ذلك الخاصّ بالإنسان في بيئته.لكنّنا لن نعود إلى العصر الحجري، صحيح؟
نعم لكنّ هذا الاستعراض الصغير للحوادث الماضية يسمح لك بالابتعاد قليلاً عن الموضوع وفهم أنّ النمط الحالي للعمل- العطلة الوحيدة في السنة ليس الأفضل بالضرورة وأنّك لم تأتِ إلى هذا العالم «للعمل» فحسب. الآن وقد استولت عليك «الحياة العصريّة»، صرت مضطرّاً إلى العمل ثماني ساعات يوميّاً لتضمن دفع بدل السكن وشراء الطعام وغيرهما من حاجات. فكيف تأخذ عطلة في ظلّ هذه الظروف؟ وهل نتحدّث عن الإجازة أو الإجازات؟ وما الفرق بينهما؟كيف تطوّر حالة من العطلة الدائمة؟
هل ترى أن العطلة تتحدّد بالقدرة على القيام بكلّ ما تريد واستهلاك كلّ ما تشتهيه؟ أنت مخطئ. بحسب التعريف الحديث، هي حالة من الهدوء واليقظة في آن، من الفراغ العميق حيث تدع الأمور تأخذ مجراها. أن تكون في إجازة يعني أن تكون حاضراً لأي أمر من دون أن تستولي عليك الرغبات والأفكار القهريّة. ويعود الخبراء ويشدّدون على أنّ العطلة لا تعني بالضرورة أن تختلي بنفسك في جزيرة معزولة وتتوقّف عن العمل. تستطيع مشاهدة التلفزيون إذا أردت حتى إن كنت في عطلة، لكنّ الأخيرة لن تتحقّق فعلاً ما دمت تشاهد البرامج من دون وعي وتدع الصور والحلقات المتتالية تستولي عليك. أمّا في حال كنت تختار البرنامج الذي تريد وتعلم كيف تضغط على زرّ الإطفاء حين ينتهي، فأنت تدرك ما تفعل. أنت حاضر من أجل نفسك، أي أنّك في إجازة. بعبارة أخرى، لا يسيطر عليك صخب العالم الخارجي الذي تخضع له، بل تكون ممتلئاً من ذاتك. من ثم، الإجازة تواصل مع الذات، حالة سلام وسعادة بسيطة تعجز الكلمات عن وصفها. ببساطة، هي اختبار تعيشه.قائمة الأعمال:
كيف تعزّز هذه الحالة النفسيّة؟ الجواب بسيط ويكمن في الالتزام بتمارين يومية. إذا أردت فعلاً إيجاد هذا السلام الداخلي لتعيش حالة رفاه غير مشروطة، كن مثابراً:• خذ الوقت الكافي لتتكلّم مع شخصٍ يهمك أمره.• اتّصل بالشخص بدل أن ترسل له رسالة نصّيّة، وحدّد موعداً للقائكما.• لا تأكل أبداً إزاء أية شاشة.• كن حذراً من التلفزيون، خصوصاً الإعلانات... فأنت لست بحاجةٍ إليها كلّها.• خذ الوقت الكافي لاحتساء القهوة أو الشاي وانظر إلى فنجانك وشمّ رائحة شرابك.• خذ الوقت الكافي في الصباح لتختار ملابسك فتكون إطلالتك مشرقة.• خذ الوقت الكافي لتفهم كلّ مهمّة تطلب منك في المكتب مع الطاقة التي تحتاج إليها لتنفيذها، وتعلّم كيف تقول "لا أستطيع" حين تشعر بأنّ النمط المطلوب لا يناسب قدراتك.• خذ الوقت الكافي لتتأمّل السماء وأنت تعود إلى المنزل سيراً على القدمين.• خذ الوقت الكافي لتقرأ بضع صفحاتٍ على الأقلّ يوميّاً من كتاب اخترته.• خذ الوقت الكافي لتطهو مرّة أسبوعياً على الأقلّ، وتشارك أحباءك وجباتك.• التزم الصمت من وقتٍ إلى آخر واستمع إلى صوت الهواء والأشجار والأمواج.