الناس رايحة وإحنا رادين!
العالم يحارب جماعات النفاق الديني ويقصقص ريشها وأذرعها ويحد من وجودها في كل المجالات، ونحن نقدم لها فروض الولاء والطاعة، ونعطيها الفرصة تلو الأخرى لتثبت قوتها وقدرتها على التمدد والتدخل في حياة البشر وخياراتهم، ونحن هنا لا نعني الحكومة فقط، التي لا تحتاج إلى إعادة الكلام واجتراره عن تقصيرها وتخاذلها المستديم، بل العديد من الساسة والنشطاء والنواب المتخاذلين الذين يفضلون نضال التحلطم والتغريد على العمل الجاد والاستجوابات، أو على الأقل تقديم الأسئلة ومتابعتها.يفترض ألا تكون حقوق الناس وحرياتهم وكتبهم محل مساومات وصفقات سياسية، إلا أن هذا ما هو حاصل للأسف، فخلال أسبوع واحد تم إيقاف ندوة ثقافية وإبعاد المحاضر ومنع الكتب من معرض الكويت الدولي المفترض أنه لبيع الكتب، العالم من حولنا يسير في اتجاه، ومن قبله دستورنا، وأعضاء الحكومة الموقرة كل منهم يهرول في اتجاه آخر، صارخاً "نفسي نفسي"، خوفاً من الاستجوابات والمساءلات التي قد تعيده لبيته بخفَّي حنين، ولن تفيده حينها كلمات التنظير والتقعير.
مخالفة أعضاء الحكومة للدستور لا تعني سوى خضوعهم للأمر الواقع المتمثل بسلطة الأقوى على الأرض، والمجلس هو الأقدر فعلياً على تحويل قوله إلى فعل... تسمون ذلك تحالفاً بين الحكومة والقوى الدينية؟! فليكن، فهم الأكثر تنظيما وقدرة على التهديد وتنفيذه، إن تم تجاوز مطالبهم، في حين لا يملك الآخرون إلا التنظير من عليائهم وإعطاء التوجيهات والتمني من الآخرين أن يلتزموا بمبادئهم والدفاع عنها والتضحية في سبيلها نيابة عنهم، ولم يسعَ أحد منهم لكسر هذا التحالف الديني الحكومي، أو أن يثبت جدارته للتحالف معها بدلاً منهم على الأقل، فأغلبهم مرتاح لدور الضحية التي جار عليها الزمن، كما في الأفلام العربية القديمة، فلو علم الوزير أن منع الندوات والكتب سيؤدي لشن حملة إعلامية حقيقية عليه، يتبعها استجوابه الذي قد يؤدي إلى طرح الثقة به، لتغير موقفه وموقف الحكومة من ورائه، فإذا كانت القوة تحد القوة، فقوتكم بالكلام وادعاء البطولات والمبادئ ورفع الشعارات فقط، وهم قوتهم بالفعل والاستجواب لتغيير الطبيعة الاجتماعية والفكرية للمجتمع...خلكم قاعدين.