من النادر جداً أن تجد عاشقاً للقراءة العربية لم يقرأ جبران خليل جبران في بداية شبابه، وبالذات كتاب "الأجنحة المتكسرة"، وهناك من قرأ هذا الكتاب تحديداً أكثر من مرة، وأعرف من حفظه عن ظهر قلب من كثرة قراءته.• كلنا - كعشاق للقراءة- قرأنا هذا الكتاب في فترة من فترات حياتنا، ونحن نعيش في أحلى ساعات العمر الأخضر، ونسبح في عوالم الأحلام والخيال، وربما الأوهام أيضاً!
• ولكن سرعان ما تنقضي فترة الشباب، وتجرنا الأيام للهموم والمشاكل، فننسى ما كنا قرأناه من كتبٍ، ولكنها تبقى تتعايش مع خلجات وجداننا وأبطال وأحداث تلك الكتب العاطفية كأنها تتحدث عن الحب الذي عايشناه وتفاعلنا معه.• إنها كما يراها البعض مرحلة رومانسية سرعان ما تمر، لتأتي بعدها مراحل أخرى ينكب فيها عشاق القراءة على البحوث الفكرية والعلمية والدراسات العميقة ذات الصلة الوثيقة بحياة الواقع الإنساني المعيش!• حتى القصص التي نقرأها لتولستوي، وديستيوفسكي، وهمنغواي، ويوسف إدريس، ونجيب محفوظ، وعبدالرحمن منيف، وغيرهم، كثيراً ما نتفاعل معها ونعكسها على واقعنا، أي أننا بحكم تطورنا ونضجنا نرى أن تلك الكتب كانت مدخلاً لنعبر من خلاله بوابات أمهات المعطيات الإبداعية.لذلك فإن "القدوسيات"، و"السباعيات" وغيرها لم تعد تشغل حيزاً من فكرنا الآن، رغم أننا ارتكزنا عليها في بناء مسيرة قراءاتنا الأولى.***• أعود إلى جبران: يخيل إليّ أنه لا أحد من القراء العرب، وهو في سن ما فوق الأربعين، يعود إلى كتب جبران ليقرأها، لأننا قرأناها ونحن على عتبة الحياة، ونشعر أننا تجاوزنا تلك المرحلة.أما في العالم الغربي وفي أميركا على وجه التحديد فالأمر يختلف، إذ إن جبران خليل جبران يتربع على عرش الشهرة، ويتمتع برصيد كبير من الشعبية، وهو مقروء من كل شرائح القراء شباباً كانوا أو كهولاً أو شيوخاً، لأنهم يعتبرون كتب هذا الأديب العربي كالخبز اليومي.• هناك إحصائية تشير إلى أن كتب جبران توزع في أميركا سنوياً ما مقداره 2 مليون نسخة، ويبلغ الدخل الصافي لورثته قرابة السبعة ملايين دولار، والغريب أن الأميركيين يقبلون على قراءة تلك الكتب التي لا يقرأها العرب إلا في بداية المراهقة وفترة الشباب، بينما الأميركان يتعايشون مع معاني جبران، بسبب ما أصاب حياتهم من قرف تحكم التكنولوجيا في حياتهم، ومن ضجيجٍ وقيودٍ وسدودٍ أفقدتهم جمال الحياة وسحرها وتأثيرها فلجأوا إلى رومانسية جبران، ليقرأوا "الأجنحة المتكسرة"، و"دمعة وابتسامة"، والأهم من كل الكتب الكتاب الذي احتل الصدارة في المبيعات أكثر من نصف قرن كتاب "النبي".• لست هنا بصدد الترويج لكتابات جبران، ولكن من المحزن أن المؤسسات الثقافية العربية لم تستثمر سمعة هذا الكاتب العربي، في حين أن الصهيونية استثمرته، إذ جعلت مؤسساتها تطبع كتبه، ونشرت مؤخراً أن جبران ينتسب إلى اليهود!• بودي أن أشير على كل من قرأوا كتباً ومضى على قراءتها عقود، لو أن الظروف تسمح بإعادة قراءتها لاستشعروا متعةً ما بعدها متعة، مثلما أعيش هذه الأيام وأنا أعيد قراءاتي لمؤلفات جبران خليل جبران!
أخر كلام
جبران وعشق القراءة!
25-11-2017