مع تحرير بلدة راوة غربي العراق، كآخر تجمع حضري لتنظيم داعش، انتهت حرب رئيس الحكومة حيدر العبادي رسمياً، ورغم أن ذلك لن يعني توقف العمليات الإرهابية، فإن الرجل، الذي سيخوض واحدة من أصعب تجارب الانتخابات العراقية بعد نحو ستة أشهر، بحاجة إلى إدامة زخم الشعبية التي حظي بها لتقليص نفوذ خصومه، لاسيما المقربين إلى طهران، عبر بوابة «مكافحة الفساد» هذه المرة.وغرقت مفاصل الدولة العراقية في الفساد بنحو غير مسبوق وخاصة في الأعوام من 2011 إلى 2014 ، وهو عهد ارتفاع أسعار النفط والموازنات المالية الكبيرة التي لم يألفها العراق منذ عقود، ورغم أن معظم الأحزاب متورطة في عمليات مشبوهة فإن كارتلات اقتصادية ومقاولين كباراً مقربين إلى حزب الدعوة الحاكم يمثلون المتهم الأبرز في عمليات الفساد الكبيرة حسب المراقبين، مما يضاعف تعقيد مهمة العبادي، المنتمي للحزب نفسه، والذي سيضطر إلى خوض مواجهة مع جناح سلفه نوري المالكي داخل واحدة من أقدم الحركات الإسلامية في البلاد.
ولعل محافظ بغداد السابق صلاح عبدالرزاق، الذي جرى طرده من الحزب، يمثل أول كباش الفداء، مع إعلان العبادي الأسبوع الماضي أنه سيخير الفاسدين بين إعادة الأموال للدولة أو السجن، وسط إشاعات تبلغ حداً دراماتيكياً في تداول الساسة وعامة الشعب، تفيد بأن الحكومة جهزت سجوناً «في آي بي» لكبار المتهمين، وقضاة متخصصين مع قوات اقتحام وحماية خاصة لبدء التعامل مع ملفات حساسة.ويحذر المراقبون من إمكانية أن يؤثر هذا في الاستقرار الأمني، لاسيما في بغداد، مشيرين كذلك إلى أن تسييس الملفات هذه قد يعود بالضرر على العبادي نفسه، إن هو اندفع في خطوات متسرعة.إلا أن خبراء في شؤون الاقتصاد العراقي المتعثر وملفات الأمن يذكرون أن الأمر يتعدى العبادي والصراع الانتخابي، إذ تقدم مؤسسات النقد والاقتصاد الدولية منذ ثلاثة أعوام استشارات ومساعدات لبغداد لتجاوز أزمة خانقة، وخصوصاً في مرحلة إعمار المدن المدمرة في حرب «داعش»، لكن ذلك يجري بشروط، أهمها طلب دولي برفع معايير الرقابة المالية وشروط النزاهة والمحاسبة، وتقييد عمليات غسل الأموال التي تتم لمصلحة جماعات إرهابية، وأحياناً ميليشيات مقربة إلى طهران ومؤسسات شتى، مما يتطلب التعامل بحزم مع مصارف أهلية وشركات ومؤسسات رقابية متقاعسة وأجنحة حزبية غارقة في أنشطة مالية مشبوهة منذ سنوات.وليس محافظ بغداد السابق، أول «كبش فداء» تقدمه الأحزاب، إذ سبق لحزب عمار الحكيم أن تخلى عن محافظ البصرة السابق ماجد النصراوي، كما تخلى الحزب الإسلامي عن محافظ الأنبار السابق، فضلاً عن محافظي تكريت ونينوى الممثلين لتجمعات محلية مقربة إلى المالكي، وهو مشهد لم يسبق أن جربه العراقيون منذ سقوط صدام حسين عام 2003 ، ويبدو أنه سيكون مرشحاً للتكرار كلما اقتربت الانتخابات العامة.
أخبار الأولى
«شائعات دراماتيكية» حول اعتقال «فاسدين كبار» في العراق
26-11-2017