شمسة العنزي... وعالم الومضَات الموجزة
تقتحم الكاتبة شمسة العنزي عالماً جديداً هو عالم القصة القصيرة جداً، أو القصة الومضة كما أطلَقت عليها، عالم لم يأخذ مكانه حتى الآن، إلا أنه يتعايش مع السرد القصصي ويحارب للبقاء .
يأتي كتاب شمسة عجاج العنزي «أفواه وأمنيات» بحجم صغير جداً، ويحتوي على نحو 123 صفحة، عن دار «مسارات للنشر» عام 2016. في صفحاته تجد 62 قصة قصيرة جداً، وكثيراً من الومضات القصصية، كل ومضة في صفحة. وقد صدر للكاتبة سابقاً كتاب «امرأة خرساء» عن دار «آفاق»، والكاتبة عضو فاعل في رابطة الأدباء .تُحارب القصة القصيرة جداً لتعيش منذ ظهورها لأول مرة في فترة التسعينيات من القرن الماضي، لكنها كانت تتعايش مع فئات ترحب بها، وفئات تعارضها. إلا أن ثمة من يقتحم عالمها بين عام وآخر، ونذكر قبل سنوات صدرت للكاتب الكويتي يوسف خليفة مجموعة قصصية للقصص القصيرة، ولكن لم تجد مكانها على رفوف المكتبات، إذ مُنعت من الرقيب .تقول الكاتبة في مُقدمة كتابها: «لقد أزال عني من هو مُتخصص بهذا الجنس الأدبي، أزال عن قلبي رهبة البوح والتعبير، وشجعني على خوض غمار تجربة الكتابة القصصية، ثم كتبت الومضة القصصية تحت إشراف من هو مُبتكر هذا الجنس الأدبي».
هل يعيش هذا الجنس الأدبي الجديد في عالم السرد، وهل نجد أقلاماً جديدة تقتحمه؟ من الصعب التكهن بذلك، والقراء أمامهم كم هائل من الروايات والمجموعات القصصية التي تبحر في فضاءات أوسع وأرحب وأمتع .
قصص ووجع إنساني
يُبحر مُعظم قصص الكتاب في عالم الوجع الإنساني المُضحك المُبكي، وأول قصة قصيرة جداً تقدمها الكاتبة تلفت الانتباه وهي بعنوان «غيض من فيض» تقول القصة: «قبل أن يهل هلال شهر رمضان، اعتادت على ترتيب مطبخها، والنظر في تلك المُعلبات والأطعمة المُكدسة هنا وهناك، وضعت كل الفائض منها – مُحتسبة الأجر – في أكياس كبيرة، وأرسلتها إلى المُحتاجين في الأحياء الفقيرة .. كانت حريصة على إزالة تاريخ الصلاحية».وفي قصة أخرى، نرى كم تضم مجتمعاتنا من وجوه تعيش بوجوه أخرى وليس كما نراها، لهذا كتبت تحت عنوان «ادّعاء» قصتها القصيرة جداً هكذا: «عندما شاهد طفلاً يتسول صرفه بعنف، وقال في نفسه «إنهم يشوهون البلاد مُدعين الفقر..» وركب سيارته الفارهة، أفرغ قمامته على الرصيف وانطلق».ونتمعن بقصة «خسارة» حيث نجد المحتوى يختزل معاناة إنسانة «أحاط بها والداها وإخوتها ليقنعوها بالعدول عن هجره، فالبيت الكبير والمال الوفير، لن تحصل عليه لو طلقها... استحقرت تفكيرهم، كرهت البقاء معهم، لملمت أشلاءها وعادت إليه».وفي نص «تضحية» نجد التالي: «دفعت طفلتها بقوة لتنقذها، جاعلة يدها بينها وبين الخطر، قطع الحديد أصابعها ابتسمت وهي تتألم، بينما الطفلة تبكي من قسوتها». ونحن نعرض لتلك القصص القصيرة جداً، يتأكد لنا أن شمسة العنزي تفوقت على نفسها في هذا الجنس الأدبي السهل الصعب، واختزلت مشاهد إنسانية بومضات موجزة، ترسم معالم ربما لا يمكن أن تُكتب في قصص أو روايات .عالم الومضات الموجزة
أما «القصة الومضة» كما أطلقت عليها الكاتبة، فهو جنس جديد لأول مرة نتعرف إليه، ففي الكتاب نحو 58 ومضة، هي مكون ثانٍ من هذا الكتاب، فهي ومضات عدة، ربما لا يستسيغها البعض لإيجازها المُكثف، إلا أنها كما ذُكر جنس مُستحدث، ومن تلك الومضات نعرض:عرب.. فرقتهم السياسات دويلات، جمعتهم شبكة إنترنت. عامل.. جف ريقه، ابتلت عروق أسياده. نفاق.. قطعوا المسؤول ذماً، أقبل فأشبعوه ضمّاً.كلمة.. أطلقها ارتدت عليه .ثوريون.. ثاروا من أجل الحرية، ثارت عليهم الفتن. تبلُد.. بكى من فيض عشقها، ناولته منديلاً.ختام
غامرت الكاتبة وولجت جنساً أدبياً جديداً لتبهرنا ببعض ملامح عالم القصة القصيرة جداً، وتنقل إلينا أصواتاً تتنفس عير الجُمل الموجزة، وتجعل المُتلقي يتفاعل معها عبر الحروف والصفحات. تجربة جديدة ومغامرة تستحق الانتباه إليها .