يتمحور ديوانك الجديد «هكذا أنا» حول: الحب والوطن والتصوف، فهل ثمة قاسم مشترك بين هذه العناصر، خولتك جمعها في ديوان واحد؟

الحب هو القاسم المشترك بين العناصر التي ذكرت، الحب للحبيب وللوطن ولله عزَّ وجلّ، هو المحرك الذي تدور في فلكه قصائد ديواني «هكذا أنا». والذي جمع قصائدي بحروفِ الحبر وعزف الكلمة.. لنرقصَ سوياً على وقع قصائد الديوان النثرية والتي أبحر فيها على متن قوارب الحب والغزل.. العنفوان والضعف.. العرفان والتصوف.. وأيضاً على قارب الشعر الوطني.

Ad

العنوان «هكذا أنا» عن أي «أنا» تتحدثين، دينا أم المرأة عموماً؟

للحقيقة، أتحدث عن أناي والتي قد تتشابه مع أنا الآخر (رجل أو امرأة).. وإن من يقرأ ديواني قد يجد نفسه في قصيدة أو أكثر.. لأنه باللاوعي قد يجد نفسَه في ظرف أو حالة شعرية أُصوُّرها، أرسمها وأنثرها حروفاً في قصيدة قد يكون عاشها أو سمع عنها... أي أنه قد يجد نفسه في أناي.. لأن التماثل بين الأنا والآخر قد يكون من جهة الخصائص الإنسانية والثقافية المشتركة لدى الأفراد والمجتمعات... كما قد يكون بالمقابل في التباين من جهة الخصائص الفردية على الصعيد النفسي، الاجتماعي أو الفكري.

قضايا وتجارب

هل قصائدك، سواء في ديوانك الجديد أم ديوانك «قُبَلٌ مُحرَّمة»، مرآة لذاتك أي لتجاربك أم تشمل تجارب الآخرين؟

قصائدي هي مرآة للواقع الذي يعيشه أي فرد في المجتمع وأنا من هذا المجتمع.. لكن لستُ من الشاعرات اللواتي ينقلن حياتهن على الورق وإلا لكنت كتبت سيرتي الذاتية.. قصائدي أركز فيها على المشهدية فتأتي كأنك إزاء مشهد مسرحي تراه من خلال قراءة القصيدة.. التي تكون من حدث حصل ربما معي أو نتيجة ما أراه أو أسمعه من هنا وهناك.

قصائدك متمردة وفي الوقت نفسه تنبض بالحب والغزل والرومانسية، فهل تقصدين منها التأكيد أن المرأة المتمردة في شرقنا لا تتخلى عن أنثوتها مهما علا صوتها؟

قصائدي من صميم الحياة الذي تعيشه المرأة لهذا يعتبرني البعض أنثى متمردة.. بينما أنا على العكس ضد تخلّي المرأة عن أنوثتها والتشبه بالرجل مهما حصل معها أو أي مركزٍ تبوأت.. لأنها كيان مستقل لا يجب أن تشبه إلا نفسها فتبقى رقيقة حنون، والحضن الآمن للرجل، تنبض أنوثة ورقة.

ما الذي يضعك في إطار حالة شعرية ما: حدث، حادث، موقف معيّن، شخص معين، فكرة ما قرأتها، أم مشهد رأيته في وسيلة إعلامية؟

كما ذكرت في ردي على سؤال سابق.. أنا فرد من هذا المجتمع وما يدفعني إلى كتابة قصيدة هو حالة آنية تستثير مشاعري، فتتفجر شاعريتي حروفاً تخرجُ على شكل قصيدة تختلف باختلاف الحالة والظرف الذي مرَّ أمامي أو حتى في خيالي.

إلى أي مدى يمكن للشاعرة في شرقنا العربي أن تقف على المنبر وتخطب بلغة الـ «أنا»؟ ألا يعتبر ذلك استفزازاً وتحدياً للمجتمع الذكوري الذي تعيش فيه؟

أن تختار المرأة أن تكتب وتنشر قصائدها يعني أنها مقتنعة بذاتها وبحقها في ممارسة قناعتها الذي أباحه لها الدين والمجتمع.. ولا يحق لأحد سلبها هذه الميزة ما دامت سوية، على خلق ولا تؤذي المجتمع.. وبما أنها تتشارك والرجل في هذا المجتمع فلا أعتبر ما تقوم به استفزازاً، لأن الله خلقهما ليكمّلا بعضهما في كل نواحي الحياة.

الـ «أنا» الشاملة

هل تعتبرين ديوانك الجديد امتداداً لديوانك الأول «قُبل محرّمة»، من ناحيتي المضمون والأسلوب أم هو مرحلة جديدة في تجربتك الشعرية؟

ديواني الجديد «هكذا أنا» هو امتداد لمسيرتي الشعرية التي بدأت بديواني الأول «قُبلٌ مُحرمة» والذي جاء من دون تخطيط أو حساب للنتائج، وذلك لأنني، وبكل عفوية، أحببتُ إصدار ديوان فيه قصائدي كهاوية للكلمة الجميلة، من دون التفكير بالشهرة أو الانتشار في الوسط الأدبي.. ولكن والحمد لله لقي صداه وبدأت قصائدي تنال الإعجاب، ويُطلب مني إحياء أمسيات وأصبح لي محبون لشعري وأمسياتي.. فكان ذلك محفزاً لي لإصدار ديوان «هكذا أنا»، ولكن هذه المرة بتروٍّ ودراسة، محاولةً جعله مختلفاً عن الأول الذي امتاز بأن كل قصائده في الحب، بينما «هكذا أنا» يشمل الحب والوطن والعرفان والتصوف.

من يقرأ عنوان ديوانك، يخال أن القصائد في داخله جريئة، فيما هي في الحقيقة تعزف على وتر الرومانسية والإنسانية والاحترام، لماذا اختيار هذا العنوان بالذات؟

«هكذا أنا» هو ديواني الثاني بعد «قًبل محرمة».. ولا أنكر أنني ترددتُ كثيراً في اختيار العنوان.. ولكن بعد تفكير.. وجدتُ أن كلَّ من قد يقرأ فيه.. قد يجد «أناه» في «أناي»..

ولا أعرف لماذا البعض اعتبر عنوان ديواني «هكذا أنا».. مستفزاً أو يعبّر عن التحدي، الغرور وحب الذات... مع أنه أبعد ما يكون عن كل هذه المساءلات والتساؤلات التي أُثيرت حول عنوانه.

تغنين الحب وكأنه الدواء الشافي لنا من العلل، مع أن زمن اليوم هو زمن الحروب والانكسارات... ألا تعتبرين أنك تغردين خارج سرب الواقع، أم أن الشاعر يرسم بكلماته عالمه الخاص على مقياس أحلامه؟

للأسف، أننا اليوم في زمن الحروب والانكسارات.. لكن لا يعني ذلك أن نفقد الأمل بالغد المشرق ولو كان ذلك بالحلم... فالحلم حقٌ مشروعٌ للجميع وأنا منهم.. والشاعر إنسان يتأثر بما يجري في العالم من أحداث مؤلمة.. إلا أن فرط حساسيته تجعله يرفض الواقع ولو باللاوعي، ويعيش واقعاً آخر في بعض الأحيان مغايراً لواقعه، كي يهرب من جحيم الواقع إلى جنةٍ فيها الحب والحرية.. فرض علينا هذا الزمن القاتم أن نعيش بالحلم والخيال الفضفاض لنستمر ونبدع.. لذا لا أعتبر أنني خارج السرب بل مع الأمل الآتي بالفرح المخبأ في جيب الأيام.

هل تعتبرين أن النقد الأدبي ينصف المرأة الشاعرة أم يضعها دائماً في مرتبة ثانوية بعد الرجل الشاعر؟

النقد الأدبي هو نقد إن كان لشاعر أو شاعرة.. كما أنني لا أحب هذا التمييز بينهما لأن الاثنين كتلتان من المشاعر.. وأظن، ونحن في القرن الواحد والعشرين، أن المرأة الشاعرة ليست بحاجة إلى من ينصفها أو يصنّفها ما دامت واثقة بشاعريتها، لغتها وأحاسيسها.. فهي تفرضُ نفسها بقصائدها وحضورها وجودة إلقائها، فضلاً عن ثقتها بما تقدمه للقارئ ما يزيد من رصيدها الشعبوي لدى الجمهور.

شعراء بالاسم

حول تقييمها للحركة الشعرية اليوم في لبنان، في ظل النشاط في إصدار مجموعات شعرية، وهل ما زال ثمة قراء للشعر لا سيما في أوساط الشباب، تقول الشاعرة دينا خياط: «لست في وارد تقييم الحركة الشعرية اليوم، لأنني شاعرة وكلنا في الميزان التقييمي نفسه.. إلا أنني أستطيع القول إن ثمة حركة ثقافية عالية على المستوى الأدبي عموماً والشعري خصوصاً، غير أن البعض بات يستسهل فكرة الكتابة، وذلك لأن مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك مثلاً جعلت البعض – ممن يكتبون عبارتين أو ثلاثاً – يعدّون أنفسهم شعراء وشاعرات، والأمر المضحك المبكي أن البعض صدَّق نفسه ونسب لنفسه صفة شاعر أو أديب، وهو لم يكتب قصيدة كاملة أو لم يُصدر حتى كتاباً، وأكثر من ذلك لغته العربية ركيكة مليئة بالأخطاء الإملائية.

تضيف: أما نسبة القراءة لدى جيل الشباب فهي جيدة إذا ما نظرنا إلى المغريات التي تبعده عن هواية القراءة.. ثمة جيل واعد من الشعراء والشاعرات، سيكون لهم اسم في المستقبل إذا ما أبقوا أرجلهم على الأرض وابتعدوا عن الغرور، واهتموا بالإلقاء والأداء أكثر لأنه جوهر الشعر».