«ليس لهافانا ربّ يحميها» لياسمينة خضرا
نظام كاسترو يتقهقر، ودون فويغو لا يزال يغنّي في كباريهات هافانا. لطالما ألهب صوته الذهبيّ الجماهير وغذّى شعلة الأمل في القلوب. لكنّ كلّ شيء من حوله تغيّر. آن الأوان لينحني سيّد الرومبا أمام تبدّلات الزمن... في عزلته الباردة، يلتقي دون فويغو صهباء ساحرة دافئة كاللّهب، ماينسي اليافعة، حبّ حياته. لكنّ الغموض الذي يحيط بتلك الفاتنة يهدّد عشقهما شبه المستحيل. الزمن... هذا ما يُغرق خضرا في تأمّله – نوستالجيا السنوات الضائعة، الشباب الهارب، الأيّام التي تمضي من غير عودة – وتعويذتنا لمواجهته: تلك البهجة حين نغنّي، حين نرقص، وحين نؤمن بسعادة ستأتي لا محال. «ليس لهافانا ربّ يحميها» هي رحلة كلّ الرحلات إلى بلاد التناقضات والمفارقات والأحلام والوعود. هي أنشودةٌ مهداة إلى كلّ مصيرٍ واعدٍ ولو عاندته الأقدار، وإلى كلّ حبٍّ خالد ولو عاش في الذكريات.ياسمينة خضرا كاتب وروائي جزائري تُرجمت أعماله إلى أكثر من 42 لغة واقتُبس كثير منها للسينما والمسرح. من أبرز مؤلّفاته «سنونوات كابول» (2002)، و«الصدمة» (2005)، و«أشباح الجحيم» (2006)، و«ما يدين به النهار للّيل» (2008) و«ليلة الريّس الأخيرة» (2015).«المحجبة» لجهاد بزي
أنا أنتظر. حياتي مرتّبة تماماً، كبيتٍ لا يعيش فيه أحد. أنتظر الليل كي أنام وأنتظر الصباح كي أذهب إلى المعتقل. أنتظر الساعة الخامسة حتّى أقوم عن مكتبي، ثمّ أعود فأنتظر الليل، فالصباح. أنتظر فرصة عمل أخرى. أنتظر نهاية الأسبوع كي أذهب إلى الضيعة وأنتظر مساء الأحد كي أعود منها. أنتظر حسناً كي يقرّر ما يشاء من علاقتنا وأنتظره كي ينفصل عنّي ويختفي. أنتظر رجلاً جديداً لأبدأ علاقة جديدة. أنتظر في السيّارة. أنتظر في الحياة. أنتظر سرطان الثدي كي أستأصل ثديي وأنتظر سرطان الرحم كي أستأصل رحمي. أنتظر مرور الأيّام كي أستأصل عمري. إنّني أنتظر. ما دمت هنا، فالحياة آمنة، ولا قلق فيها. لا شيء سيحدث في قاعة الانتظار، وها أنا أنتظر. في القاعة شاشة تعرض فيلماً عن حياتي. أراني في الفيلم جالسة في قاعة انتظار أتفرّج على فيلم يعرض قصّة حياتي. أراني فيه جالسة في قاعة انتظار أتفرّج على فيلم عن قصّة حياتي... إنّني، في الأفلام المتداخلة إلى ما لا نهاية، أدرك كم هو مملّ هذا الفيلم. مع ذلك نبقى كلّنا حيث نحن. نتكرّر في الانتظار. لا نريد أن نخاف وأن نقلق. سنبقى هنا، جالسات في مقاعدنا، نتفرّج على تكرارنا في المرآة. ليس في الخارج ما يستحقّ قلقنا. قد يكون هذا أفضل ما سيحصل لنا في الحياة، لماذا نغامر؟ لماذا أغامر؟ سأبقى هنا. أفضل ما يحدث في الحياة هو ألّا تحدث، تقول المنتظرات.جهاد بَزّي كاتب وصحافي لبناني يعيش في الولايات المتحدة الأميركية. كتب في صحيفتي «المدن» الإلكترونية و«السفير» ودوريّات ثقافية متعدّدة. صدرت له «ملك اللوتو» (2011) التي تشارك في كتابتها مع الكاتب اللبناني بشير عزّام.«خيمة مروى» لجان هاشم
راحت تتذكّر كيف كانت (...) تُعنى بشكلها وهندامها، وتتحضّر لعودته. وكيف كانت تصمّم على أن تبدو له، في حال رجوعه، على أفضل حال. كانت تريد أن تعوّض عليه ما يمكن أن يكون تعرَّض له من إهانات أو تعذيب أو حتّى من إذلال السجن وحسب. تتخيّله عائداً بلحية مهملة وشعر طويل لم تُتَح له فرصة العناية بهما في سجنه، وتفترض أنّه سيكون بأمسّ الحاجة إلى الاستحمام، هو الحريص على نظافته وأناقته. ترى نفسها وهي تساعده على ذلك، ثمّ تعدّ له الطعام والكأس، ثمّ عندما يخلو لهما الجوّ، بعد انفضاض مجلس الزوّار المهنّئين بالسلامة، تجلس بقربه، تجعله يستلقي على الكنبة الطويلة في غرفة الجلوس أو على السرير في غرفة النوم، ورأسه في حضنها، تمرّ بيدها على شعره ووجهه وكتفيه وصدره، تأخذ خدّيه وذقنه بجمع كفَّيها، تنحني عليه، تقبّله. تتفحّص جسمه من آثار أيّ أذىً أو تعذيب. تُسمِعه الكلمات الجميلة العذبة تُداوي بها جراحات نفسه العميقة، قبل أن تأوي معه إلى فراشهما وترتمي هي على صدره، باكية من فرحٍ أو من قهرٍ، لا تدري. تُفرّغ من قلبها كلّ ما عانته بدورها من قلق الانتظار.جان هاشم كاتب ومترجم لبناني (مواليد زغرتا، عام 1953). عمل في مجال التدريس بعد نيله إجازة في اللغة العربيّة وآدابها والأدب المقارن من جامعة القدّيس يوسف، معهد الآداب الشرقيّة في بيروت. نقل من الفرنسيّة إلى العربيّة عدداً من المؤلّفات لكتّاب فرنسيّين ولبنانيّين، وكتب مقالات نقديّة أدبيّة في بعض الصّحف اللبنانيّة. «خيمة مروى» روايته الأولى عن دار نوفل والثانية بعد «تَلّة المَلّاح» (2014).