تعد التخفيضات الضريبية التي تحل محل الإصلاح الضريبي أفضل طريقة لوصف مناورة السياسة في واشنطن، فالقضية سياسية إلى حد كبير، وهي تتمثل بضرورة قيام الكونغرس الجمهوري بتحقيق فوز تشريعي للرئيس الجمهوري. بيد أن العواقب ستكون في نهاية المطاف اقتصادية، ومن غير المستغرب أن تكون أسوأ بكثير مما يرغب فيه السياسيون.

تدخل سياسة التخفيضات الضريبية في إطار شعار ترامب "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وبسبب ثقل الأعباء وخداعها من قبل الصفقات التجارية السيئة، تحتاج أميركا إلى إعفاء ضريبي لإحياء براعتها التنافسية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، وهنا يكمن في المشكل السياسي.

Ad

وعلى الرغم من النداء السياسي للأسر من الطبقة الوسطى التي تعاني ضغوطا شديدة، فمن الواضح أن الشركات الأميركية تركز على هذه الجهود، مع تشريع مقترح يهدف إلى تخفيض معدلات الضرائب على الأعمال التجارية من 35٪ إلى 20٪، دون إغفال حقيقة أن الشركات الأميركية تدفع حاليا معدل ضرائب منخفض- 22٪ فقط- بالمقارنة مع تجربة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ناهيك عن آخر إحصاء للتنافسية الدولية أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي صنف الولايات المتحدة في المرتبة الثانية (من أصل 137 دولة). بطبيعة الحال، لا ينبغي أن تبهرك تقييمات سوق الأسهم للشركات الأميركية، ولا تبالي بكل هذه الأمور، فالجمهوريين يصرون على: خفض الضرائب التجارية، وأنه سيتم التصدي لأي أزمة تواجه أميركا.

ويصبح تسييس الحجج الاقتصادية خطرا في بعض الأحيان، تماما مثل ما يحدث الآن، فلا تستطيع الولايات المتحدة تحمل ولوج التخفيضات الضريبية الحالية للكونغرس، ووفقا لمكتب الميزانية في الكونغرس غير الحزبي، فإن التخفيضات ستؤدي إلى عجز تراكمي يبلغ نحو 1.4 تريليون دولار على مدى العقد المقبل. وتكمن المشكلة في انتقال نقص الادخار المزمن في أميركا إلى منطقة الخطر، مما يجعل من تمويل العجز لعدة سنوات أصعب اليوم مما كانت عليه الحال عند خفض الضرائب في الماضي.

وتعد تخفيضات ضرائب كينيدي لعام 1964 وتخفيضات ضرائب ريغان لعام 1981 حالات مهمة في هذا الصدد، وبلغ معدل الادخار الوطني الصافي- وهو أوسع مقياس للادخار المحلي الذي يشمل الادخار المعدل حسب استهلاك الأسر وقطاع الأعمال والقطاع الحكومي- 10.1 في المئة خلال هاتين السنتين (1964 و1981). بمعنى آخر كان بإمكان الولايات المتحدة حينئذ تطبيق تخفيضات ضريبية كبيرة.

هذه ليست هي الحال اليوم وخصوصا مع صافي معدل الادخار المحلي الذي بلغ نسبة 1.8٪ من الدخل القومي، وحتى خلال التخفيضات الضريبية التي تلت ذلك- الدفعة الثانية من برنامج ريغان المالي في عام 1986، ومبادرات جورج بوش في عام 2001- بلغ متوسط معدل الادخار الوطني 4.2٪، أي أكثر من ضعف المستوى الحالي.

وتشير كل من التجربة ونظرية الاقتصاد الكلي إلى ما يمكن توقعه، فالاقتصادات المعتمدة على التوفير على المدى القصير لا يمكنها أن تتحمل الإنفاق دون اقتراض فائض الادخار من الخارج، وهذا ما يجعل ميزان المدفوعات والعجز التجاري جزءاً من النقاش حول السياسة المالية.

وقد عرفت الميزانية الأميركية الحالية فائضا صغيرا خلال التخفيضات الضريبية الكبيرة في عامي 1964 و1981، وهو ما يتناقض بشكل حاد مع عجز اليوم البالغ 2.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومع احتمال أن يؤدي العجز المالي إلى انخفاض معدل الادخار المحلي- ربما يعود إلى المنطقة السلبية كما كانت الحال في الفترة بين 2008 و2011- سيكون من المحتمل ارتفاع عجز الحساب الجاري، وذلك يعني ارتفاع العجز التجاري الكبير بشكل متزايد، مما يشكل انتهاكا لأحد المبادئ الرئيسة لـ"اقتصاد ترامب": جعل أميركا عظيمة مرة أخرى يتطلب سد الفجوة التجارية.

ومن هذه النقطة يتحول الواقع إلى الخيال، ويصر ترامب وغالبية الجمهوريين في الكونغرس على أن التخفيضات الضريبية المقترحة ستعتمد على التمويل الذاتي، لأنها ستحفز النمو الاقتصادي، مما سيؤدي إلى ارتفاع الدخل، وإن ما يسمى بحجة تشجيع العرض، المُقدمة لأول مرة لدعم التخفيضات الضريبية لعهد ريغان، كانت بمثابة وسيلة لجذب الانتقادات للسياسة المالية الأميركية منذ ذلك الحين، وخصوصا من أجل تحويل الانتباه عن القضايا الأكثر خطورة.

وقد اتضح أن الواقع مختلف تماما عن تصور مؤيدي العرض. نعم انتعش الاقتصاد بشكل كبير من ركوده العميق في 198٢-198١، لكن هذا يرجع بشكل كبير إلى تخفيف السياسة النقدية في أعقاب الجهد الناجح الذي قام به المجلس الاحتياطي الاتحادي على التضخم الأميركي المكون من رقمين.

على النقيض من ذلك، فإن الجنة المالية التي وعد بها طويلا المدافعون عن العرض الفائض لم تتحقق، وبعيدا عن أن يتلاشى تضاعف العجز في الميزانية الفدرالية إلى 3.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال الثمانينيات، مما جعل الدين العام يرتفع من 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1980 إلى 41٪ بحلول عام 1990.

ولم يف المدافعون عن العرض الفائض بوعود التمويل الذاتي فحسب؛ بل ساهموا في أول نهاية للتوازن بميزان المدفوعات الأميركية، وفي الفترة من عام 1960 إلى عام 1982 كان الحساب الجاري في الأساس متوازنا، حيث بلغ فائضه 0.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

في أعقاب العجز في الميزانية من ريغانوميكس وما يرتبط بها من تراجع في الادخار الوطني، وتأرجح الحساب الجاري بشكل حاد إلى العجز، في المتوسط ناقص 2.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي من عام 1983 إلى عام 1989، ظلت الميزانية تعاني العجز منذ ذلك الحين (باستثناء تأجيل مؤقت في النصف الأول من عام 1991 بسبب التمويل الخارجي لحرب الخليج).

بعيدا عن وصفة من أجل العظمة، تبشر مناورة ترامب المالية بخلق مشكلة خطيرة، ونظرا لانعدام الادخار، فإن العجز الكبير في الميزانية الأميركية يشير إلى تدهور حاد في ميزان المدفوعات والجبهات التجارية، كما أن المحاسبة الإبداعية في جانب العرض لن تغير تلك النتيجة، ويشير مركز السياسة الضريبية غير الحزبي إلى أن النمو الاقتصادي قد يؤدي إلى انخفاض العجز لسنوات متعددة من 1.4 تريليون دولار إلى 1.3 تريليون دولار خلال العقد القادم، وهو ما لا يكفي لمواجهة مشكلة التمويل المستعصية في أميركا.

وأكد ذلك جورج بوش الأب بصراحة عندما كان يناضل من أجل ترشيح الحزب الجمهوري له لخوض الحملة الانتخابية للرئاسة في نيسان أبريل 1980، فانتقد بحق "سياسة فودو الاقتصادية" الخاصة بخفض الضرائب لخصمه رونالد ريغان، وبالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي الذي لا يتوافر على وفورات كبيرة اليوم فإن هذه السياسة تعد بمثابة مؤشر مؤلم لما ينتظرنا.

* ستيفن س. روت

* عضو هيئة التدريس في جامعة ييل والرئيس السابق لـ"مورغان ستانلي"، آسيا، ومؤلف كتاب "انعدام التوازن: علاقة الاتكال بين أميركا والصين".

"بروجيكت سينديكيت، 2017" بالاتفاق مع "الجريدة"