«الاستئناف»: المتهمون خططوا لـ «واقعة المجلس» وتحايلوا على حرسه للدخول
المحكمة أكدت صلاحيتها في تشديد العقوبات على المدانين
• بعض مرتكبي الجريمة نواب أقسموا على احترام القانون فخالفوا نصوصه
• على المشرع ضبط نصوص «رد القضاة» لعدم تأخير الفصل في القضايا
• إعلانات المتهمين سليمة وطلبات فتح المرافعة هدفها المماطلة
• على المشرع ضبط نصوص «رد القضاة» لعدم تأخير الفصل في القضايا
• إعلانات المتهمين سليمة وطلبات فتح المرافعة هدفها المماطلة
أكدت محكمة الاستئناف الجزائية، في حيثيات حكمها الذي أصدرته أمس الأول في قضية "دخول مجلس الأمة بقصد ارتكاب جريمة فيه"، والمتهم على ذمتها 70 مواطنا، بينهم 11 نائبا حاليا وسابقا، أنها اطمأنت لدى إدانتها المتهمين إلى تهم دخول المجلس بقصد ارتكاب جريمة وإتلاف المنقولات داخل قاعته، وتعطيل الجلسات، ومقاومة رجال الأمن، والاعتداء على عدد من حرس المجلس، وتحريض رجال الأمن على مخالفة القانون، وذلك من واقع قائمة الثبوت الموجهة ضد المتهمين في القضية وأقوال شهود الإثبات.وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها الذي حصلت "الجريدة" على نسخة منه، إن "المتهمين تداولوا وتباحثوا فيما بينهم لتنظيم مسيرة عقب الندوة التي تحدث فيها النائب السابق مسلم البراك، وقرروا تحديد خط سير الرحلة الخاصة بالمسيرة، وفقا لمواقع تواجد قوات الأمن، بينما كان المتهم السادس والخمسون يوزع الأدوار فيما بينهم، ويوجههم إلى اخذ الأوامر منه، بعدما أعلن المتهم الأول لجمهور الحاضرين عن تلك المسيرة، وطلب منهم الالتزام بتوجيهات المنظمين التي سيتولى أحدهم إعلانها عبر مكبر الصوت".وأضافت: "وعليه تم حشد المتجمهرين للمشاركة في المسيرة، ثم توجه المتهمون إلى منزل رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد، فتم منعهم، ثم بعد ذلك اتجهوا إلى مجلس الأمة وقاموا بالدخول إليه بعد الاعتداء على رجال الأمن، ومن ثم توجهوا إلى قاعة المجلس الخاصة بانعقاد الجلسات".
واوضحت المحكمة، ردا على أقوال المتهمين بأنهم لم يقوموا باقتحام مجلس الأمة، أولا: إن الثابت من مدونات التحقيق وسائر أوراق الدعوى وما حوته من صور ومقاطع مصورة أن من حضر ندوة "الشرعية بالدستور" في ساحة الارادة يقارب الالفي شخص، وبعد انتهاء الندوة والدعوة إلى التجمع للقيام بمسيرة تظاهرية أمام منزل رئيس الوزراء السابق انصرف عدد كبير من الحاضرين، ولم يتبق منهم سوى من تجمهر بقصد التظاهر، وهو عدد يتراوح بين 500 و800 شخص، فضلا عن أن من الحاضرين من سئل أمام محكمة اول درجة وامام هذه المحكمة، مثل أحمد السعدون وخالد السلطان، وقررا بأنهما حضرا الندوة وانصرفا إلى سيارتيهما من خلال الممرات التي حددتها وزارة الداخلية للخروج من المنطقة، وهو ما حدث أيضا مع المتهم الخامس والستين (محمد خليفة مفرج الخليفة) الذي تواجد بالتجمهر ثم غادر المكان إلى سيارته عقب شعوره بالاعياء. وما قرره ايضا أنور عراك عنتر الفكر من أن عددا من حاضري الندوة تجمعوا للقيام بمسيرة، بينما غادر الآخرون المكان، وهو الأمر الذي تستخلص منه المحكمة أن هناك مخارج آمنة يستطيع من كان حاضرا للندوة أن يخرج منها.ثانيا: ان الثابت من التحقيقات وما حوته ان المتجمهرين حاولوا تجاوز الحاجز الأمني للقيام بالمسيرة التظاهرية، واستخدموا القوة مع رجال الأمن، ودفعوا الحواجز الحديدية في محاولة لاجتيازها، لكنهم فشلوا، بعد أن تدخلت قوات الشرطة ومنعتهم من اتمام ذلك، وبعد أن رفضوا الأوامر بفض التجمهر جلسوا ارضا بنهر الطريق معلنين انهم لن يغادروا هذا المكان، ثم تباحث النواب منهم وتشاوروا في الأمر، وانتهى الرأي الى التوجه الى مجلس الامة والاعتصام بداخله، وإعلان المتهم الثالث ذلك عبر مكبر للصوت.ثالثاً: إن المتجمهرين حال توجههم الى مجلس الأمة كانوا يرددون الهتافات الحماسية، مثل "الشعب يريد استرداد مجلس الأمة"، و"بيتنا... بيتنا"، وإقرار البعض منهم بأن الهدف من الوصول الى قاعة عبدالله السالم هو إرسال رسالة الى الحكومة، وهو ما تستخلص منه المحكمة أن ما قاموا به كان تنفيذا لفكر ممنهج، يعي جيدا ما يفعله، وليس وليد المصادفة او التصرف الفجائي.رابعاً: ان الأوراق طويت على ما يقطع بالدليل الدامغ أن ارتكاب المتهمين لتلك الجرائم كان عن وعي وعلم وإدراك وارادة، فهذا هو المتهم الثاني (خالد مشعان طاحوس) يخاطب المتجمعين بقاعة عبدالله السالم حال تواجده بها، مناشدا إياهم الخروج بعد تحقيق غرضهم باقتحام القاعة بقوله: "انتهى الامر يا شباب الرسالة اوصلت لذلك احتراما لقاعة عبدالله السالم خلاص الرسالة اوصلت وخلونا نغادر القاعة وصلت الرسالة"، وما أفصح عنه المتهم السابع (مسلم البراك) بعد خروجه من مجلس الأمة عقب الانتهاء من الاحتفال باقتحام مجلس الأمة بقوله: "اشتبون، اشتبون اكثر من هالعز اللي وصلتوله، اقتحمتم بيتكم بيت الشعب مو للقبيضة"، وقالته عند البوابة الخارجية لمجلس الأمة "أنا قلت هذا الكلام وأقولها مرة أخرى من اقتحم بيت الأمة، من فتح قاعة عبدالله السالم لتطهيرها من حكومة الفساد ومن النواب القبيضة، هم النواب أنا وزملائي المسؤولين عن هذا"، ومن ثم فإن ما افصح عنه كل من المتهمين يقطع بأن دخول مجلس الامة وقاعة عبدالله السالم على وجه التحديد كان امراً مقصوداً في حد ذاته، ومن ثم فإن الحديث عن ان دخول مجلس الأمة كان امرا اضطراريا اضحى من قبيل الهراء الذي تتنزه المحكمة عن مناقشته او الخوض فيه.
حراسة مجلس
خامسا: ان ما أورده الدفاع في معرض نفي الجرم عن المتهمين من أن القائمين على حراسة مجلس الأمة هم من فتح لهم أبوابه وهم من ارشدوهم الى قاعة عبدالله السالم، هو أمر يخالف ماديات الدعوى، إذ إن هذا القول ليس له صدى في الأوراق سوى في أقوال المتهمين، ولم يشهد به أحد، وتكذبه أقوال الشهود التي اطمأنت اليها المحكمة على نحو ما سلف بيانه - وهي في هذا الصدد لا تطمئن الى اقوال مبارك عبدالله الهاجري - أحد حراس المجلس - أمام هذه المحكمة بهيئة اخرى، من انه أثناء مناوبته لم يشاهد أحداً يدخل المجلس، وان المتهمين الأول والسابع (وليد الطبطبائي ومسلم البراك) لم يقتحما المجلس، وأنه تلقى أمراً من قائده بسام الرفاعي بفتح أبواب المجلس أمام الجمهور، وتطرح هذه الشهادة جانبا ولا تعول عليها وتطمئن الى أقواله التي ابداها امام النيابة العامة وتطرح ما عداها.وان ما هو ثابت من قيام الحرس بفتح جزء يسير من البوابة لدخول المتهم الاول، كان احتراما منهم لصفته النيابية، ولم يكن ذلك بقصد إدخال المتهمين، إلا أنه احتال عليهم ليتمكن وباقي المتهمين من اقتحام المجلس. سادسا: ان ما افصحت عنه الصور والمقاطع المصورة من احتفال المتجمعين داخل الباحة الداخلية لمجلس الامة بالرقص والغناء ابتهاجا واحتفالا لا يكون إلا لمن حققوا نصرا أو فتحا مبينا، وهو ما يقر في وجدان هذه المحكمة أنها انفعالات داخلية خرجت بصورة لا شعورية لمن تحقق له ما أراد، فكيف الحديث بعد ذلك عن أن من لجأ الى المجلس كان من الخائفين الهاربين من بطش قوات الشرطة حسبما يدعون.سابعا: إنه بفرض صحة ما قرره الدفاع، وهو ما لا تسلم به المحكمة، فإن اعمال قواعد العقل والمنطق تقتضي القول إن من لجأ الى مجلس الامة طلبا للملاذ الآمن أن يظل داخل حدود المبنى بعد تجاوز بوابته، وان طلب مزيدا من الامان ان يجلس بممرات المجلس الداخلية، لا ان يسابق الرياح صوب قاعة عبدالله السالم المغلقة، ويقوم بكسر بابها والولوج اليها منتهكا حرمتها، ويردد الهتافات الحماسية، ويكتب عبارات مناهضة للحكومة، واخرى تمثل طعنا في اعضاء المجلس وغيرها للمطالبة برحيل رئيس مجلس الوزراء، ومن ثم فإن ما بدر من المتهمين من سلوك لا يمكن أن يكون بحال من الاحوال سوى سلوك عمدي نفذ وفق خطة موضوعة مسبقا.وعن عدم فتح المحكمة باب المرافعة للمتهمين، أكدت في حيثيات حكمها أن المتهمين كانوا يهدفون إلى المماطلة والتأخير في الفصل بالدعوى، خصوصاً أن المحكمة راجعت كل الإعلانات القانونية للمتهمين.ولفتت إلى أنه بشأن طلب الدفاع فتح باب المرافعة لأنها لم تستجب لطلبات الدفاع مما يعد إخلالاً بحق الدفاع بأن المحكمة طبقت صحيح القانون وللدفاع الطعن على ذلك أمام محكمة التمييز.تقدير العقوبة
وقالت المحكمة، إنه عن مجال تقدير العقوبة، فإن تقدير العقوبة وأعمال الظروف، التي تراها المحكمة مشددة أو مخففة هو ما يدخل في سلطتها الموضوعية، كما أن موجبات الرأفة من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب عليها في ذلك، وكان أن المحكمة لا ترتاح إلى أن تساوي بين المتهمين عند قيامها بتوقيع العقوبة عليهم، فمنهم من يجب أن يؤخذ بالشدة بالنظر إلى دوره على مسرح الأحداث، فمن المتهمين من كان يحمل الصفة النيابية باعتباره نائباً عن الأمة أقسم أن يحترم القانون، فإذا به أول من يخالفه، ومنهم من هو أستاذ جامعي، ومنهم من تلقى تعليماً رفيع المستوى كان من واجبه أن يحمل مشاعل العلم والتنوير إلى من هو أقل منه، فإذا به يدعو إلى ثقافة الغوغائية وفرض الرأي بالقوة والصوت العالي.وقالت المحكمة، إن تداول هذه الدعوى أمام الدائرة والدوائر، التي سبقتها قرابة السنوات الأربع لم يكن تقاعساً منها عن نظر هذه القضية أو الفصل فيها، وإنما كان لسبب لا دخل لإرادتها فيه هو الاستغلال السيئ من قبل بعض المتهمين ودفاعهم لنصوص قانونية غلت يد المحكمة عن نظر الدعوى لفترات طويلة تارة، وعن الفصل فيها تارة أخرى، فها هو الدفاع يستغل النصوص الخاصة برد القضاة أسوأ ما يكون، وما إن يستشعر أن المحكمة في سبيلها إلى الفصل في الدعوى بادر فوراً بردها وهو ما ترتب عليه أن أوقفت بعض الدوائر نظر الدعوى إلى حين الفصل في طلب الرد، أو إحالتها إلى رئيس المحكمة لعرضها على دائرة أخرى، وما استلزم ذلك من إعلان المتهمين جميعاً بإعادة نظر القضية، فضلاً عن انسحاب بعض المحامين وامتناعهم عن الدفاع عن المتهمين وهو ما يشكل مبرراً لطلب التأجيل لإعطاء المتهمين الفرصة لتوكيل غيرهم ثم يقومون برد المحكمة بغية الإحالة إلى دائرة أخرى. وعندما تحقق لهم ما أرادوا عادوا مرة أخرى للدفاع عنهم. والمحكمة إزاء تلك الممارسات تدق ناقوس الخطر، وتهمس في أذن المشرع وتقول له، أما آن الأوان لإعادة النظر في إجراءات التقاضي والقوانين المنظمة، كما لا يقبل أن يختار المتهم قاضيه وفق الإجراءات الحالية.المحكمة تناشد المشرع الإسراع بإصدار قانون «تنظيم القضاء»
طالبت المحكمة بتعديل قانون الإجراءات بما يؤكد استقلالية النيابة العامة خصوصاً أنها ممثل شعبة من شعب القضاء كما يتعين تعديل قانون الجزاء الصادر عام 1960 والذي أدخل على نصوصه فلسفة وضع النصوص العقابية، تقوم على تناسب العقوبة مع الجريمة ومن المنطقي أن ما كان يتماشى مع ظروف المجتمع والدولة عام 1962 أضحى الآن لا يتناسب البتة مع حجم الجرائم، التي تحدث الآن فأضحى القانون، وقد حوى من الجرائم ما يعاقب عليها بعقوبات مالية هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع، كما أن الكثير من تلك النصوص يحتاج إلى ضبط في الصياغة فضلاً عن جرائم لها من الخطورة بمكان ظهرت في وقتنا هذا ولا توجد لها نصوص تجرمها.وبينت المحكمة أنها تهيب بالمشرع أن يعمل على سرعة إصدار قانون جديد لتنظيم القضاء يعطي السلطة القضائية الاستقلال التام لإبعاد أي شبهة أو مظنة بأن أمور القضاء والقضاة في يد السلطة التنفيذية لافتة إلى أن كل ذلك غيض من فيض لا يتسع المقام للتعرض له، وإنما أرادت المحكمة أن تضع المشرع أمام مسؤولياته فيما يحفظ أمن هذا الوطن، وينشر العدل الناجز في ربوعه، في ظل ظروف إقليمية ودولية متغيرة وإرهاب يبدو أنه يقف على الأبواب، حفظ الله الكويت وشعبها ومن يقيم على أرضها الطيبة.