ضرب مركز جابر الأحمد الثقافي أبلغ معاني الوفاء عندما تم أمس الأول الاحتفاء بأحد صُناع الأغنية الكويتية، وهو الفنان راشد الحملي، من خلال سهرة غنائية أحياها ثلاثة مطربين نثروا كلماته وألحانه طربا بين الحضور الكبير، الذي توافد على مسرح الشيخ جابر العلي، للاستمتاع بالمفردة الأصيلة، واللحن الرقيق، بأصوات تجمع بين ثلاثة أجيال ومدارس غنائية، وإن بدت مختلفة ظاهريا، لكنها تلتقي جميعها على إتقان الشكل الغنائي الكويتي، الذي نخشى ضياع ملامحه، في ظل اجتياح تيار العولمة لكل شيء، حتى أصبحت ثقافتنا مستباحة.

ولعل المتابع للموسم الثقافي لمركز جابر الأحمد خلال الفترة الماضية يلمس التنويع، وتعزيز دور التراث الخليجي والعربي، لنقله من جيل إلى آخر.

Ad

وفي ليلة راشد الحملي، ازدان المسرح بأسماء ثلاثة؛ المطربة الشابة فاطمة بودستور، والفنان اليمني عبود خواجة، والفنان الكويتي فواز المرزوق، الذين أمطروا الجمهور بـ 16 أغنية متنوعة الإيقاع، بمعية فرقة مركز جابر الأحمد الثقافي، وبقيادة المايسترو د. محمد باقر. وتميَّز الحفل بالعديد من الأعمال، التي صاغها الحملي خصيصا لهذه المناسبة.

بدأ الحفل بمقطوعة موسيقية سماعي راست عزفتها الفرقة، لتمهد الطريق أمام ظهور الصوت الواعد فاطمة بودستور، التي استهلت بأغنية "حبيبي لا تعذبني" مقام حجاز بستة، ثم "هوينا في هواكم"، وهي أول لحن سامري صاغه الحملي.

بعد ذلك، أطلَّ الفنان عبود خواجة، ليشدو بـ"بشري بأيام الوصال"، أغنية عدنية، وتُعد اللحن الأول له في مسيرته الفنية، ثم انتقى خواجة بذكاء أغنية "كم قد كتمت هواكم"، من أشعار صفي الدين الحلي، ومقام سوزناك، قبل أن يرد الفنان اليمني التحية للجمهور ويترجل ويفسح المجال للفنان فواز المرزوق، الذي اختار ثلاث أغنيات، هي: "يا طائر البان"، وتنتمي لفن الصوت من أشعار عنترة، وأغنية "يا بنات الليالي" سامري مقام بياتي، وأغنية "لحول شالحيلة" خماري مقام نهاوند، وهي من كلمات وألحان راشد الحملي.

بهجة الحسن

وتمضي الأمسية على وقع تفاعل الجمهور، الذي تمكنت منه السكينة، وجلس يستمع، فيما تتسلل بعض الهمسات التي تنمُّ عن رضا وانسجام، ثم تعود الفرقة لتستهل الجزء الثاني من برنامج الأمسية، لتعزف "لونكا كريز"، ثم "يا بهجة الحسن"، التي تنتمي للون العدني ومقام عجم.

بعد ذلك، استقبل الجمهور الفنانة الواعدة فاطمة بودستور، التي شدت بأغنية "شكواي لله صابني" مقام كرد، أعقبتها بـ"بروحي البان يوم رنا" موشح محير كردي، من كلمات "أمير الشعراء" أحمد شوقي، لتودع بعدها بودستور المسرح وقد تركت انطباعا إيجابيا عند الجمهور. عقب ذلك، يعود الفنان فواز المرزوق للظهور مجددا، ليختار من أرشيف الحملي أغنية "غدر الزمان بشلمان" عدني طرز جديد، تلاها بـ"قال محي الهوى" سامري شهناز كردي، من أشعار عبدالله المفرج.

واختتم عبود خواجة الحفل بأغنيتين، هما: "جفي من لست أذكره" يماني كرد، و"خطرت كغصن البانة" صوت حجاز كاركرد.

سيرة ومسيرة

طوَّر الفنان راشد الحملي أسلوبه الخاص كملحن، حتى أصبح أحد أهم ملحني عصره، واستلهم إيقاعات ألحانه من التراث الكويتي، فوضع ألحانا على مختلف الإيقاعات الكويتية القديمة، مثل: الخماري والفنون والصوت والاستماع.

وفي الغناء منذ بدايته خلال حقبة الستينيات ركز على الغناء العدني وفن الصوت، وكان متأثرا بأسلوب الفنان الكويتي حمد خليفة، والفنان اليمني محمد جمعة خان. وبعد انضمامه إلى معهد الدراسات الموسيقية عام 1972 تعلم الموسيقى النظرية، ومختلف أنواع الغناء العربي، مثل: الموشح والدور. واشتهر الحملي بجودة عزفه على العود، كذلك نظم العديد من القصائد الغنائية التي قام بتلحينها وغنائها في ألبوماته الخاصة.