متى تعود عقولنا لنا؟
أصبحنا كرة يلعب بنا اللاعبون ويضربون بنا الحيطان ويطيرون بنا إلى السماء ويخبطون بنا الأرض، فلا نعرف من أين ستأتينا الركلة ومن سيتلقفنا ثم يركلنا مرة أخرى، ومن سينفد صبره في النهاية بعد أن اكتشف صمتنا وقلة حيلتنا فقرر تمزيقنا.كنا نقرأ الصحف على اختلاف توجهاتها، بل إن صحف الكويت عبارة عن تشكيلة من المتناقضات على أساس فتح المجال لكل التوجهات، فكانت وسيلة لمعرفة كل الاتجاهات، لم نعرف الصدق من الكذب، وصار على كل منا اكتشاف أو استنباط الحقيقة من كل هذا الكم من المعلومات والأفكار المتناقضة.وجاء عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فزادت حوستنا حوسة، في البداية قلنا هذا باب جديد لحرية التعبير وفرصة للناس لإيصال آرائهم ومواقفهم دون تدخل من أحد، لكن سرعان ما وجدوا فيها مرتعا للعب والعودة لضرب الكرة باتجاه من يخاصمهم، وأصبحت لدينا غرف كاملة من كتاب الإنترنت ومعدي أفلام اليوتيوب والواتساب وغيرها تزوّر كل شيء وتضرب تحت الحزام، فلم نعد نعرف حقيقة ما يصلنا ومقدار التزوير فيه، وعدنا إلى الاستنباط ثم محاولة تكوين الاتجاه وصاحبه وأهدافه، وأخذنا نتعلم أسماء أصحاب الغرف ومموليها ومستوى الإخراج وأهدافها. تعلمنا أن هذه المجموعة لزيد همها مهاجمة عبيد، وتلك المجموعة لآخر يعمل على تبييض وتلميع المعزب ليعود للانتخابات وهكذا.
المشكلة الكبرى في ما نتلقاه مما يمس مصيرنا ووجودنا، فنحن في موقع سيئ جدا مناخيا وسياسيا، وتقلبات المناخ الطبيعي والسياسي تتلاعب بأجوائنا، فكل من حولنا يدّعي حماية الإسلام، والكل من حولنا يرى أن يأمر فنطيع أو يصرخ فنرتعد. الكل يملك وسائل إعلام ضخمة وهذا الإعلام يتوجه باللغة العربية وينقل لنا ما يريد الشرق، وناطق بالفارسية موجه للشرق. من غير أن تلتفت للتلفزيون تعرف أي بلد يتبع، والكل مصر على تلقيننا ما يريد والكل يسعى إلى إخضاعنا واتباعه، ولعبة الإعلام أصبحت مزعجة وأداة سيئة من أدوات الإثارة وزيادة الفرقة. كسرنا العلم الحديث وخربنا غايات وسائل الاتصال بكل أشكالها وحولناها إلى وسائل للفتنة بدل أن تكون وسائل للتآلف والمحبة وإنجاز الأعمال المشتركة. لا أحد يريد أن يسمع لنا رأيا أو موقفا، فحجمنا ضئيل أمام سطوتهم وقوتهم ومكانتهم، ونحن شعب من نسيج متشابك لا نستسيغ ولا نريد أن يمس وحدتنا ونسيجنا أحد، لكنهم يريدون لنا أن نختار إما أن نكون معهم أو نكون ضدهم وكلا الاتجاهين لا يقبل أن يسمع لنا موقفا خاصا.اللعبة الخطرة تكبر ومن حولنا يتسابقون في إظهار العضلات، ولعبة الاستقطاب والابتزاز تتكرر أمامنا، وقد عانينا منها أكثر من غيرنا، ولذلك نقول إن أحدا لن يستفيد من كل هذا الكلام الغاضب إلا تجار وصناع السلاح والدول المنتظرة على أحر من الجمر انطلاق شرارة الحرب. للأسف نحن أيضا لا نقرأ مصادر معلومات وتوجهات الدول الكبرى، لو قرأنا لربما رأينا الصورة الكبرى والجرائم العظمى التي يخططون لها، هم لا ينوون التدخل العسكري في منطقتنا في الوقت الحاضر وإنما يراهنون على غبائنا وتعصبنا ليحقق لهم كل ما يريدون دون أن يذرفوا نقطة دم واحدة، بل إنهم ويا للمهزلة يدخلون بيننا متوسطين راجين ألا ننتقل لمرحلة الحرب. يظهرون بصفة رسل سلام في حين هم في الحقيقة يشجعون كل طرف ويعدونه بالعون بالمزيد من السلاح، وينتظرون أن تشتعل حرب طائفية لا تنتهي إلا بانتهاء كل الأطراف وتمزق بلاد فارس وبلاد العرب لتخلو المنطقة لربيبتهم المحتلة لفلسطين. القادة العسكريون وبعضهم يجهل دهاليز السياسة ومرامي الدول الكبرى وبعضهم يهدد عن قصد وعمد حتى ترتفع طلبات التسليح مداها إرضاء لهذا أو اعتقادا أنه يكسب دعم هذا الطرف أو ذاك، هؤلاء يزيدون من حالة الاحتقان والتهاب المشاعر، وفي رأيهم أن هذا دورهم فلا بد من إظهار القوة والقدرة ليردع الآخرون.السؤال الذي يحير: أين قوى الخير والسلام والعقل في هذه البقعة من عالمنا؟ لماذا لا تتحرك الشعوب لوقف هذا الجنون؟ ولماذا لا نشعل كل وسائل الاتصال الاجتماعي وغيرها من أجل التفاهم بين شعوب المنطقة؟ أليست حياتنا مهمة لنتركها بيد من لا يقيم للحياة قيمة؟ لماذا لا تخرج الشعوب بمبادرة لجمع الرؤوس على طاولة واحدة ليتبادلوا فيما يزعجهم ويشغلوا عقولهم فيما ينفع شعوبهم ومصلحة الجميع، ويصلوا ببساطة لحل ما يزعجهم، ويتفقوا فيما بينهم على خطة سلام يكون الأمان وتنمية المنطقة أولوية لها؟ أليس هذا أفضل مما يحدث الآن؟