لتغريد الداود نجاحات ومسيرة حافلة في الكتابة المسرحية، إذ فازت بجائزة مسابقة الهيئة العامة للشباب والرياضة 2010، وبجائزة الدكتور خالد عبد اللطيف رمضان لأفضل مؤلف واعد في مهرجان الشباب المسرحي 2012، وبجائزة التميز في مهرجان أيام الشباب المسرحي 2014.

كذلك حازت بجدارة في عام 2016 جائزة أفضل مؤلف على مستوى دول الخليج في مسابقة التأليف المسرحي عن كتابها «مطلوب مُهرجين»، وكرّمها حاكم الشارقة سمو الشيخ سلطان القاسمي في مهرجان أيام الشارقة المسرحية بدورته السادسة والعشرين.

Ad

إصدارها الذي سنعرض له كتاب «مطلوب مهرجين». صدر عام 2016 عن دار «الفراشة للنشر»، ويضمّ نصوصاً مسرحية عدة، في 313 صفحة من القطع المتوسط، وبتصميم مهني وإخراج جميل، ولوحة الغلاف بريشة الدكتورة خلود الرشيدي.

مُغامرة أن تقتحم هذه الشابة الكتابة المسرحية، ونحن نعي أن صياغة العمل في هذا المجال ليست شائعة الانتشار، ولا تلقى صدى كالرواية، أو لا تحقق مكاسب مالية. لكن كان أكبر تحدٍ بالنسبة إليها، وهي تفوقت بل تألقت، في السؤال: هل نجد رغبة في أن نقرأ نصاً مسرحياً مكتوباً بالفصحى على الورق، أم نُفضل أن نشاهد شخوص النص المسرحي تتحرك على خشبة المسرح؟ أنا وغيري نفضل الأخير، إذ إن المسرح حياة مُتحركة تنبض بحياة فعلية.

رسائل صادمة

في كتاب تغريد الداود ستة نصوص مسرحية، وبحرفية صاغت المؤلفة الجُمل والحوارات، ومن بين السطور تُرسل رسائل صادمة تتعلق بحركة المسرح أو الحركة المسرحية المحلية أو العربية، وتطرح قضايا فكرية عبر مشاهد مسرحية تنبض بالحياة، لو أخذت طريقها إلى خشبة المسرح.

في النص الأول وعنوانه «رحلة رقم 50» وهو فاز في مسابقة الهيئة العامة للشباب عام 2010، تبدأ الكاتبة النص بجُمل تكون مُنطلقاً لتحرك شخوص النص فتكتب: «إلى كل من يقف في سكة الانتظار، حاملاً عمره في حقيبة، وتذكرته وجهة أمل، يقدم زمنه رهناً لزمن آخر، ينتظر قطاراً ينقله لسكة أخرى يتنفس الحياة بها، لكل منا قطار يترقبه، لا تهم محطاته، ولا موعد وصوله، المُهم ألا يكون القطار الذي لن يأتي!».

في ذلك النص تدور الأحداث في محطة قطار، حيث نكتشف شخوص العمل وهم الشاب خالد، والفتاة أمل، وعازف الغيتار سامي، وعامل النظافة، وحارس المحطة، والسيد العجوز. تدور الأحداث وكأن ساحة المحطة حياة أو كيان سياسي وهمي أو مُجتمع ما، حيث نقاش يدور عندما نجد أن الشاب يخرج من المنزل بعدما رفض والده أن يمتهن الفن، ويُطرح موضوع الاختلاط بين الجنسين، حيث اعتبر مدير المحطة نفسه حارس الأخلاق أو هو الحاكم، ومَنع الاحتجاجات والاعتراضات، وهي فعلاً قضايا تدور في مجتمعاتنا الراهنة، ونسمع صوت عامل النظافة يقول: «القانون موجود في كل زمان ومكان، المشكلة لم تكن في القانون بل بمن يمثل القانون، ومن يطبق القانون ومن يعزف على أوتار القانون!».

أنتم مناسبون

نتخطى نصوص الكتاب الأخرى وهي «الربيع المنتظر، ومخلصون، وكن تمثالاً، وبلا غطاء»، ونستقر عند أجمل وأثمن والنصوص وهو «مطلوب مُهرجين» ويتكون من عشرة مشاهد.

كَتبت المؤلفة في مقدمة النص: «هذا النص ليس محاولة لإثبات موقف، ولا وسيلة للدفاع عن قضية ما، ليس حكاية من وحي الخيال، ولا واقعاً يسرد أحداثاً كي تُعرض وتُقال، بل هو ضرب من الفوضى العارمة!».

شخصيات العمل توحي بأحداثه الممثل/ الكاتب/ المُوسيقي/ مُدير السيرك/ المُمثلة/ المُتسول/ المُخرج، وفي مضمونه وعبر أحداث نسمع صوت الكاتبة يدوي ضد ما وصلت إليه الحركة المسرحية محلياً وعربياً، من مسرح تثقيف إلى مسرح تهريج. متعة نشعر بها عند قراءة النص وما يدور من حوارات، إذ أبعدتنا الكاتبة عن رتابة النص المسرحي ودفعتنا إلى الاستمرار بالقراءة وكأننا نقرأ رواية مشوقة.

لا نستطيع أن نكشف تفاصيل ذلك النص المشوق الجميل الذي يصور لنا فرقة مسرحية تُطرد من المكان الذي تستأجره ليلتقطها مدير سيرك، وكأنه يقول لأفرادها: «أنتم مناسبون للعمل معنا!». وهنا تدور نقاشات عدة تكشف ما ترمي إليه الكاتبة بعملها المتقن هذا.