لا أظن أنه من النبل، ولا الفروسية، التشفي والفرح بسجن وتقييد حرية أي إنسان لأسباب سياسية، مهما كانت درجات الاختلاف مع الأفعال أو الأقوال التي ارتكبها، وخاصة في مراحل الأحكام قبل النهائية والباتَّة، والتي تندرج تحت قاعدة الفقه القانوني والدستوري القائلة إن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة"، وبنص صريح وقاطع وبقول واحد في المادة ٣٤ من الدستور (ويحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً).وعليه، فالحُكم النهائي في قضية اقتحام المجلس، هو ما سيصدر عن محكمة التمييز، ولا يجوز إيذاء المتهمين، معنوياً على الأقل، قبل إدانتهم الناجزة، وإن كانت مقتضيات القانون تقرر تنفيذ العقوبات المحكوم بها في درجة الاستئناف، إلا أن جميع الاحتمالات تبقى واردة في محكمة التمييز، حيث يكون حُكمها هو العنوان النهائي للحقيقة.
الأمر الآخر، ما كان ينبغي للبعض في خضم أحداث عام ٢٠١١، وما تلاها، التغوُّل بالحماسة، التي بلغت أحياناً حدود الحماقة والعبث الصبياني أكثر منه حرصاً سياسياً على الإصلاح وبلوغ الأهداف الوطنية السامية المتوافق عليها بمحاربة الفساد وإحداث التغيير السلمي نحو الأفضل للكويت وشعبها، فانساق هذا البعض لمعاهد التغيير خارج الكويت وخططها بتأطير الشباب العربي بموجات الحراك المتشنج الذي اجتاح منطقتنا العربية تحت مسمى "الربيع العربي". كما خضع الكثيرون لمن نصَّب نفسه بالداخل كمرجع وحيد لتوزيع صكوك الوطنية، وإسباغها على مَن أراد، ونزعها عمَّن لم يرد، وسمَّى قذف وشتم وتخوين الخصوم حرية رأي، واستباح حرمات الأماكن العامة، ولم يسلم من استباحاته حتى حرم بيت الأمة، حين قاد سبعين فرداً، لا لدخول ساحة المجلس الخارجية، بل اقتحام قاعة عبدالله السالم ذاتها، واعتلاء منصة الرئاسة، واحتلالها الرمزي، بقصد الإساءة إلى رئيس المجلس في حينه، والذي صنفوه، ظلماً، بأنه خارج الملَّة الوطنية، وبرَّروا لأنفسهم وأتباعهم تلك الأفعال، مستهينين بقوانين الدولة ونظامها العام، مدَّعين أن ذلك هو طريق الإصلاح الوطني.حين استدركت الدولة الأمور بتحريك الدعاوى القضائية ضد مقتحمي المجلس في يوم الأربعاء الأسود من نوفمبر ٢٠١١، فإنها سلكت القنوات القضائية، ولم تُمارس القمع الأمني الغاشم المعتاد في الأنظمة الديكتاتورية خارج الكويت، مثلما تمَّ بقضايا المساس بالذات الأميرية، وخلية العبدلي، وقروب الفنطاس، والمساس بالدول الشقيقة.والغريب، أن دعاة دولة القانون والمؤسسات، وهم جزء من السلطة التشريعية، مجَّدوا تحريك الدعاوى ضد خصومهم، وباركوا الأحكام التي صدرت ضدهم، مثلما باركوا أحكام البراءة لأنصارهم في المرحلة الأولى لقضية الاقتحام، في حين انتقدوا القضاء، وطالبوه بالنأي بنفسه عن المسائل السياسية في مرحلة الاستئناف، وهذا كله بعد تأنٍ قضائي استغرق ستة أعوام بأكملها! الرأي الوازن يا سادة لا يكيل بمكيالين عند الحديث عن سيادة القانون ومكانة القضاء كمرجعية للعدل في المجتمع، وخاصة في دولة القانون، لا دولة "خذوه فغلّوه"، ويجب ألا يتنصَّل البعض من مسؤوليته القانونية فيما أقدم عليه من أفعال يجرِّمها القانون، وأن يعي أن تكييف الصواب والخطأ مهمة القانون والقضاء، لا مهمة المتظاهرين وقيادات الحراك الشعبي أو الدواوين. وفي كل الأحوال، نسأل الله أن يفك "عوق المحكومين".***همسة:الأجواء تبشِّر بأن الحكمة الأميرية ستنتج وئاماً خليجياً كاد ينفرط، وهي ستكون الملاذ الآمن لسلمنا الأهلي في الداخل.
أخر كلام
6/6 : الرأي الوازن
01-12-2017