أعشق اللغة اليونانية الفخمة، والصينية الآلية، والهندية الملتهبة، والإسبانية المُشاكسة، والتركية الطاحنة، أما "لغة البلابل" الفرنسية، الرائقة الصوت، الرائعة الدلال، فليس وقتها في آخر سنتين في الثانوية، فما الحكمة من مزاحمة عقل الطلبة في أحرج سنتين بلغة تحتاج أربع سنين لإتقانها؟ هل تجيبني يا أستاذي "عُرابي" يا من علمتني الفرنسية في الثانوية؟ بارك لي معلمي السوري الموقر بأدب جم تخرجي من الجامعة بتخصص آداب اللغة الإنكليزية قبل أن يجيبني، ثم أوضح لي أن ثمة طلبة اكتشفوا ضعفهم في الإنكليزية وقوتهم في الفرنسية، بل أرسلت الوزارة المتفوقين ذوي الجدية النادرة في تعلم الفرنسية في بعثات علمية، فأسعدني رد الأستاذ المحترم، وأضاف حجة أقوى وهي أهمية تعلم الطالب لغة ثالثة، وكرر عبارته التي سمعتها منذ كنت طالبا عنده "إذا ما تنفعك ما تضرك".
ما زلت مؤمنا بأهمية تعلم اللغات، فأنا أضفت لمحصلتي أثناء الجامعة اللغة التركية، وتعمدت ألا تكون سببا لوشوشة عقلي بأخطر سنتين تعليميتين لي، فلمَ تؤزم الوزارة الثانوية العامة الفرع الأدبي ومعاهد اللغات مفتوحة لكل الأجيال؟ فمن أراد التعليم الأكاديمي العميق فالمجال مفتوح للمتخصصين بالإيطالية والرومانية وغيرهما، رغم أنهم أقل القليل من حيث عددهم كطلاب، ولست بصدد التقليل من أهميتهم الأكاديمية المرموقة، فمجال الترجمة والعلاقات الدبلوماسية مهم جداً لوطني ولأمتي لما يوظف للدعوة الإسلامية. ولكن إلزام طلبة الثانوية العامة بالفرنسية أشبه ما يكون بالاضطهاد الثقافي الذي انقشع زمانه، أما الإنكليزية فتكفينا في الصين والهند والأميركتين وأستراليا وأوروبا كاملةً، كما أنني لم أفاجأ من تذمر التجار المغاربة من تعلم الفرنسية بدلا من الإنكليزية في دراستهم الحكومية، رغم أن 29 دولة تستخدمها، 21 منها إفريقية.ولكني كخليجي أقترح إلغاءها من الثانوية في تخصص الأدبي، نظرا للضعف المفجع لدى الطلاب باللغة العربية فضلا عن الإنكليزية التي ستكون لغة المريخ والمستخدمة حاليا في 59 دولة، فلمَ التشتيت؟ وهذا ليس يأسا من استيعاب أبنائنا للثقافة بشكل عام، بل لتسديد أذهانهم بشكل خاص، فطلاب الابتدائية في اليابان يدرسون لغتهم الأم حصراً، والحكمة في جودة الفهم لا الكم. وإن تعلم أي لغة يعتبر إعادة خياطة للعقل، حيث إن الخيوط هي كلمات اللغات والمغزل هو قواعدها، والطالب المُكره على الفرنسية في الثانوية (وهم الأغلبية والشاهد الدرجات) سيُلقن أن الورقة اسمها "ورقة" ثلاث مرات في حياته، تارة بالعربية وتارة بالإنكليزية (Paper) وأخرى بالفرنسية (Papier). فمتى سنهتم بفائدة المعلومات أكثر من كميتها؟ أم نشتهي أجيالا ببغاوية؟وأضم صوتي لمن يشجع تعلم الفرنسية في غير مرحلة الثانوية، فما حكمة عقد اتفاقية ثقافية لهذه اللغة بالتحديد رغم أن ثاني أوسع لغة انتشارا عالميا هي الإسبانية؟ السبب هو عيش الخليج بدور المتلقي للتعليم بنسبة كبيرة، سواء من تأثير الكوادر السورية بقوة أو من غيرها. وآن وقت استبدلها بمادة "الثقافة اللغوية"، ليستعرض فيها الطالب سائر اللغات ليكتشف ما سيبرع فيه، بدلا من حصره بلغة لا يحتاجها لشراء "كرواسون" في "پاغِيس" من النادلة "أليتا" التي سيحاسبها باليورو، بعد أن يصبح الفرنك "آنتيك".
مقالات - اضافات
إلغاء اللغة الفرنسية من «الثانوية»
02-12-2017