جامبيت الملك المقبول
نبخس "الشطرنج" قدرها حين نصفها باللعبة، فما بين جنبات مربعاتها تجري حياة كاملة بكل فصولها وتقلباتها، كما في حياتنا كثير منها كذلك.ولمن لا يعرفها هي "لعبة" تجرى بين شخصين يملكان العدد نفسه من القطع وينقلانه بالتتابع، الأبيض فالأسود، أكثرها عددا وأقلها قيمة هم البيادق، مما يجعلهم الأكثر عرضة للتضحية بهم وبمستقبلهم، فهذا البيدق هو الوحيد الذي بإمكانه أن يصبح وزيراً لو قيّض له لاعباً ذكياً يعرف كيف يدفعه إلى الأمام بشكل يضمن له مستقبلاً أفضل، لكن أحياناً تكون التضحية به في سبيل تحقيق مكاسب أكبر في النهاية، وأحياناً أكثر تكون التضحية نتيجة لحسابات متهورة تؤدي إلى نهاية مستقبله هو والمباراة، فلابد أن تكون التضحية مناسبة في الوقت المناسب، يليه في الأهمية والقيمة الأفيال والأحصنة، وتتمايز قيمة كل منهما حسب الوضع الاستراتيجي لكل مباراة على حدة، ثم نعلو قليلاً لنصل إلى القلعة التي تستمد قيمتها من حركتها المستقيمة أفقياً وعمودياً، فلا تعرف قفز الأحصنة أو ميلان الأفيال، ثم نأتي إلى الوزير الذي يجمع بين الاثنين، يستقيم حيناً ويميل أحياناً حسب الحاجة والمنفعة، وأخيراً نصل إلى الملك، وهو أساس "اللعبة"، أقوى القطع وأضعفها في آن واحد، حركته قليلة ومحدودة، ولكن نهايته تعني نهاية "اللعبة" التي تجرى على مربعات سوداء وبيضاء كتعاقب الليل والنهار، أو تبدل الحظوظ وتغير الأزمنة والظروف.
تكون الغلبة في هذه "اللعبة" للشخص الأكثر قدرة على الصبر والهدوء والتركيز والثبات الانفعالي، فمن يبحث عن البهرج للزهو والتظاهر هنا محكوم عليه بالخسارة لا محالة، هذه الأفعال قد تنفع في أي لعبة أخرى إلا الشطرنج، قد تنفعك في لعب الورق المعتمد على الحظ أو في الدومينو حتى تخدع خصمك بثقتك الزائفة، أما هذه "اللعبة" فتعتمد على بُعد النظر والخيال الواسع مقروناً بالحسابات الدقيقة، فمن يستطيع توقّع أكبر عدد ممكن من حركات خصمه المحتملة ويضع لها كافة الاحتمالات للتعامل معها هو الأقدر على تحقيق الانتصار دائماً.