يتوغل د. أحمد بكري عصلة في نتاج الأديبة منى الشافعي، راصداً التنوع في الكتابة الأدبية في مجال القصة والرواية والكتابة الصحافية، مقدماً بحثاً يسبر أغوار معظم مراحل مشوارها عبر رؤية نقدية رصينة.ويسرد عصلة في مقدمة الإصدار أن "هذه الدراسة ليست ترجمة شخصية للأديبة منى الشافعي، فللتراجم مجالها وكُتابُها وكُتُبها. بل هي دراسة في أدبها، قصةً وروايةً وكتابةً، مشيراً إلى أنه النهج الذي سلكه ضمن هذا الإصدار".
ويقول ضمن هذا السياق:" بنيت على كل ما أنتجته في هذه المجالات، وعلى شيء قليل جداً مما كتب عنها من دراسات ومقالات اقتضت بعض الضرورات الاستعانة بها لتوضيح أمر أو موقف، أو للرد على قضية ما وردت فيها، لأنني ارتضيت لنفسي منهج الاعتماد على انتاج الأديب حين دراسته فحسب، وإهمال ما كتب عنه من مقالات وبحوث نشرت في الصحف والمجالات، كي لا أقع في أسر آراء كتابها، إن كانت دراسات جادة معمقة، ولكي لا أشغل عن الموضوع الرئيس بموضوعات أخرى ثانوية تفرعها أمامي وتفتحها تلك الدراسات، حتى إذا انتهيت من قراءة أدب من أتناوله، ووضعت خطة الكتابة، تصفحت تلك الدراسات للوقوف على عناوينها وموضوعاتها ومعرفة كتابها، واختيار قضايا كبيرة تم التركيز عليها فيها، ونادراً ما أستعين بها في دراستي، وسيرى القارئ مصداق ذلك في هذا الكتاب من خلال نُدرة ما استشهدت به من هذه الدراسات، وما ناقشته من قضاياها، ومن رددت عليهم من كتابها، اذا ما قيس بالكم الكبير الذي وضع في أدب مني الشافعي الذي -كما علمت- يجمع في كتاب كبير سيري النور قريبا".ويستطرد في الحديث عن أسلوبه المتبع في الإصدار:" بهذا المنهج أسير في دراستي مستقل الرأي، أناقش ما أناقش من أدب الكاتبة، وأصوره بطريقتي الخاصة، وأستنبط قضايا، وأصدر ما أصدر من أحكام فنية ونقدية تتصف على الأقل بالاستقلال، وتمتاز، غالباً، بالجدة والبعد عن التأثر بآراء الآخرين مهما علت وامتازت وكثرت، وبهذا المنهج ايضا، أتجنب وعور الشعاب في افتعال معارك كبيرة أو صغيرة مع النقاد الذين يهوى جهلم الرد والصد والظهور في موقف النقد الحصيف الذي رد على ما كتبته عنه، وأفحمني وأسكتني.. بمنهجي هذا تجنبت القيل والقال وكثرة السؤال، ونجحت في تناول عدد من أعلام الأدب، وقضاياه، بآلية سليمة هدفها اظهار الأدب أو الأديب كما هو، والتوسع من خلال أدبه، في رسم الصورة الأساسية العامة لهذا الأدب أو الأديب، والشخصية المستنتجة لصاحب الأدب أو صاحبته، من خلال هذا الأدب، مع الاستعانة المحددة ببعض ما عرف عنه وعن شخصيته... وهذا عين ما فعلت في هذا الكتاب".
محتوى الكتاب
ويتضمن الإصدار ستة فصول وخاتمة، وخصص المؤلف الفصل الأول لـ"عالم النبض والقصة القصيرة"، ويشرح عن هذا الفصل: "مصطلح النبض في القصة القصيرة لم أره من قبل لدى أي كاتب أو كاتبة، بل هو من استخدام منى الشافعي في غير مجموعة من مجموعاتها، ولاسيما في مجموعة (نبضات أنثى) التي تعد في رأيي قصصاً تقوم على نبضات خاصة أو نبضات صيغت في قصة فنية قصيرة، ولذلك اسميت كل واحدة منها (النبضة القصة) تارة او (القصة النبضة) تارة أخرى... ولأن هذا المصطلح اللغوي يوحي بمشاعر وأحاسيس غير عادية ارتضيته ليكون جزءاً من تسمية هذا الفصل الأول من الكتاب".وأضاف: "تناولت في هذا الفصل، كل مجموعة على حدة، بالتحليل والعرض الموضوعي والفني والسردي، مبتدئاً بأولى المجموعات اصداراً (النخلة ورائحة الهيل) التي صدرت في 1992 في القاهرة عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، ثم أتبعتها بآخر المجموعات إصداراً وهي (وبعضاً من حياة) التي صدرت في 2010 في لبنان عن دار الفارابي ودار الفراشة، أي بعد ثماني عشرة سنة، أصدرت الكاتبة بينهما أربع مجموعات أخرى، وذلك بهدف الوقوف على الفوارق الواضحة ما بين مجموعة أولى ومجموعة أخيرة وقوفاً منطقيا وعلمياً، لأعود بعدها إلى تناول تلك المجموعات الأربع (البدء.. مرتين- لبنان 1994 - عن دار الربيعان) و(دراما الحواس - لبنان - 1995 عن دار الربيعان) أيضا و(أشياء غريبة... تحدث - الكويت -2002 دار قرطاس للنشر) و(نبضات انثى - الكويت 2005- عن دار الوطن)... مراعياً بذلك التسلسل الزمني، باستثناء المجموعة الأخيرة.عالم الرواية
وفيما يتعلق بمضمون الفصل الثاني، قال عصلة: "الفصل الثاني جاء بعنوان (عالم الرواية)، وفيه تناولت بالتحليل والعرض والنقد روايتيها المعروفتين (ليلة الجنون- 2008 المؤسسة العربية للدراسات والنشر) و(يطالبني بالرقصة كاملة- 2012)، وختمت كلامي بعدد وَفْرٍ من الاستنتاجات والموازنات والأحكام".وركز في الفصل الثالث على إصدارها "في عالم الأدب والصحافة"، وجاء متضمناً لمحتوى فصوله السبعة، اضافة إلى تعليقات وإفادات واستنتاجات عامة تصب في مصلحة الكتاب، وتربطه بسائر انتاج الكاتبة القصصي والروائي.وخصص المؤلف الفصل الرابع لمختارات من خواطر الكتابة، وبعض النصوص التي يرى فيها روح الشعر المنثور، وأخرى أخرجها من بطون أعمالها ووضعتها تحت اسم (ق ق ج)، أي القصة القصيرة جدا.. وهي نصوص تضيف إلى الكتاب جانباً امتاعياً فيه الجمال والمتعة والفائدة للقارئ والناقد.وفيما يتعلق بالفصلين الخامس والسادس يقول المؤلف: "الخامس (قراءة) عامة في أدب منى الشافعي، تناولت الموضوعات العامة التي تعرضت لها الكاتبة تعرضاً عامة مشتركاً بين مختلف ابداعاتها، وتشكل روابط ظاهرة أو خفية بين تلك الموضوعات والفنون التي تنتمي اليها، هي: الطبيعة، والصحراء، والبحر، و(الكويت: المدينة الصغيرة، والوطن، والمجتمع، والغزو والغزاة، والجمال، والطفولة) ثم الثقافة والفنون والدين والعقيدة، والجنس، وعالم المرأة من خلال الأدب أولاً، وفيه: المرأة الحبيبة، والباحثة عن الحب، والجميلة الأنيقة، وملكة الأنوثة، والام، فالرجل وموقف المرأة منه وموقفه من المرأة، ثم عالم المراة من خلال التشكيل الفني الخاص بمنى الشافعي، المتمثل في لوحاتها الخاصة بالقصص القصيرة عامة". وتابع: "أما الفصل السادس: (الدراسة الفنية) وفيه عرض لأساليب السرد المعتمدة في أدبها، واسلوبها اللغوي وابرز ما يميزه، ثم (شخصية منى الشافعي من أدبها) وفيه محاولة لرسم الصورة الشخصية لها، وصفاتها وما تمتاز به من مقومات القوة، وبعض جوانب الاندماج العامة في تيارات المجتمع وشخصياته، مستمدة من كل ما كتبته وأبدعته".مسوغات البحث ونتائجه
ركز المؤلف في إصداره ضمن الخاتمة على مسوغات البحث، ويقول ضمن هذا الصدد: "أولها أني وجدت منى الشافعي واحدة من أبرز كتاب القصة والمقالة، ولكنها لم تنل من النقاد ما يرضي، فجل ما كتب عنها ما هو إلا مقالات صدرت وقت صدور عمل من أعمالها، لتبين مضمون العمل، وأهميته، وخلاصة مضمونة، اضافة الى عبارات ثناء ومدح وتشجيع، ولم أجد بين هذه المقالات سوى دراسة (سمر روحي الفيصل) التي تناولت إبداعها الروائي بصورة معمقة وجادة... وعدد آخر قليل سار في هذا الاتجاه، وركزت أيضاً على نقل إحدى إجاباتها عن سؤال صحافي، وكانت إجابتها: "لم يواكب حركتي الابداعية، وكان دوره سلبياً في تجربتي... لكن هذا لم يبطل حماستي وعشقي وولعي بالكتابة... فالنقد الذي تخطاني سهوا او عمداً لا يعنيني الآن، ولن يضيف الى شيئاً، فقد تجاوزت هذه المرحلة... هناك ظاهرة، أو لنقل حال لافتة للنظر، وهي غياب النقد المحلي الجاد عن متابعة هذا الزخم من الإبداع المحلي".ويضيف: "كما أني وجدت جهدها مبعثراً لم تلم شتاته دراسة واحدة شاملة، تقدم للقارئ الصورة الكاملة لها، بمختلف أبعادها وصفاتها وتأثيراتها، فكان لابد لي من القيام بهذا العمل، إنصافا لها وإبرازاً لجهدها وشخصها لعالم القراء والنقاد معاً، سواء في الكويت والخليج، أو في الوطن العربي والعالم". ويتابع: "ثم إنها لم تقصر في خدمة الحركة الأدبية في الكويت، فقد احتلت أديبات الكويت مكاناً متقدماً في عالم الادب عامة، وعالم التأريخ والتوثيق لأدب المرأة الذي قادته وحققته د. ليلي محمد صالح في عدد من الكتب الكبيرة الرائدة،الأمر الذي قرب المسافة من الرجل، بل أعطى النساء الاديبات مكانة متقدمة جدا على مختلف الصُّعد. وكانت منى الشافعي واحدة من افضل خمس أديبات ومبدعات حملت راية القصة ثم الرواية ومعهما راية الكتابة في الصحف".