لذة اصطياد اللصوص
وجود هيئة «نزاهة» لن يكون صك براءة للكويتيين، بل سيكون اختبارا حقيقيا لتغيير عنوان سيئ ساد خلال 27 سنة تلت غزو الكويت.
أول العمود: مثير منظر أحد القادة العسكريين لكروات البوسنة وهو يتجرع السم في المحكمة الجنائية الدولية بعد سماعه منطوق الحكم بسجنه 20 عاما، فمجرمو الحرب يتساقطون ولو بعد حين.***
ما البيئة العامة التي تعمل فيها هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)؟ نجيب بالقول إنها مولود جاء بعد حديث عاصف وجدل تخلله عنف مادي (اغتيالات لم تنجح)، ومعنوي بين فئات سياسية واجتماعية بسبب اختلاف الرؤى حول فهم مسألتي المال العام والنفوذ في المجتمع، ومن أمثلتها "أزمة المناخ، وأزمة التفتيش في سجلات البنك المركزي عام 1986، وملف سنتافي، وسرقات الغزو، والداو كيمكال".مهمة الهيئة صعبة جدا، فإذا أخذنا ربع القرن الأخير من حياة الكويتيين السياسية والاقتصادية والإدارية فسنشهد محطات رئيسة خطيرة أولها غزو العراق للكويت، وتوالي الأحداث التالية: اختيار شكل المحاسبة على هذه الكارثة (تقصي حقائق لا تحقيق برلماني)، وما تعرض له المال العام من انتهاك خطير أثناء الغزو واستمراره إلى اليوم وبدرجات متفاوته، ومحاولات البرلمان الحد من نزف هذا المال من خلال حزمة قوانين خاصة، وتكرار حل مجلس الأمة، واستخدام ريعي للوظيفة العامة لامتصاص ردات الفعل الشعبية لمسألة التوظيف، والنزف غير المبرر في ملف العلاج في الخارج، وتغيير رئاسة مجلس الوزراء بسبب الضغوط الشعبية الناتجة عن النقمة من الفساد الإداري والمالي، وشبهة تورط برلمانيين في قضية تضخم أرصدتهم الشخصية، وقضية التحويلات الخارجية التي أدت إلى تغيير رئيس مجلس الوزراء واستقالة وزير الخارجية وقتها، وتواتر تراجعات الكويت في مؤشرات تعليمية وصحية ومالية دولية. كلها أحداث جسيمة.ارتدادات ما سبق من أحداث لا تزال متسيدة الوضع السياسي، وجاءت أحكام اقتحام مجلس الأمة الأخيرة لترسم عنوان الأزمة السياسية الداخلية التي نعيشها، إذ يجب الاعتراف بأن الكويتيين غير متفقين على خريطة طريق لمعالجة مسألة المال والإدارة، وهناك صراع حقيقي حولهما. هنا نسأل: عن أي فساد يمكن أن تكافحه الهيئة في بيئة مهترئة كهذه؟ إن كان القصد منها ملاحقة فاسدين فتلك أسهل المهام، أما إذا كان الهدف- وهو المعلن- مكافحة الفساد، فالمهمة أصعب لأنه يتطلب جهدا مجتمعيا لا يُسأل عنه جهاز واحد، وإلا كان ديوان المحاسبة قد استطاع تنظيف البلد من المعتدين عليه منذ إنشائه وهو ما لم يحدث.وجود الهيئة في المشهد الذي وصفناه سابقا لن يكون صك براءة للكويتيين، بل سيكون اختبارا حقيقيا لتغيير عنوان سيئ ساد خلال 27 سنة تلت غزو الكويت، ذلك الحدث الذي لم نستفد منه كما يجب، وإذا أردنا إنجاح مهمة الهيئة فيجب أن تُدعَم حكوميا وبرلمانيا وشعبيا، وهذا الجهد بحاجة إلى تضحيات حقيقية مؤلمة على أشخاص، لكنها ستكون دواء للوطن العليل.