ولا عزاء للحرية
كيف نفهم وضعنا في مدونة الحريات؟ ومع من نقف ومن نعارض؟ هل نصفق للنائب محمد هايف حين يطرح قضية الحرية السياسية في ممارسة حق التعبير السياسي، وينتقد بجرأة موقف السلطة منها؟ أم نقف مؤيدين أو ربما معارضين مع نقيضه، مثل النائب أحمد الفضل الذي يبقى صامتاً في معظم تجاوزات السلطة، لكنه يدافع عن الحريات الاجتماعية والشخصية في ظروف معينة؟ في قضية دخول المجلس، تأملوا موقف النائبين السابقين، وهما بالمناسبة يمثلان شريحة من النواب على ضفتي المجلس، ويمثلان أيضاً التوجهات السائدة في المجتمع الكويتي الصغير المنغلق على قضاياه.النائب محمد هايف لم يتردد في الوقوف مع المدانين في قضية دخول المجلس، وهو يرى أنهم بصورة ما كانوا يعبرون عن رفضهم لممارسات الفساد عند السلطة في قضايا الإيداعات والتحويلات التي كان أبطالها بعض نواب المجلس ذلك الوقت، هذا النائب كان مبدئياً في موقفه السابق في إبداء حق التعبير بالرفض لتجاوزات السلطة، النائب محمد في الوقت ذاته سأل وزير التربية الذي تناغم معه في إجابته عن حالات الإلحاد في مدارس الدولة! وكأن مناهج التربية وضعت في دول علمانية راسخة، وليست معلومات تقوم الوزارة بفتح رؤوس الطلبة، وتسكب فيها المعرفة دون أي حق لهم في مناقشتها، وترسخ كأنها قوانين علمية غير قابلة للنقاش... أيضاً يعود النائب محمد هايف مهدداً الحكومة - رغم أنه حتى الآن لا توجد حكومة غير الحكومة المفروضة بحكم العادة واسمها حكومة تصريف العاجل من الأمور - عن الحفلات والرقص الذي يجري في الدولة، ولا نعلم عن أي استعراضات جرت "لبرودوي الكويت" ومتى حدثت ومكانها؟!
أما النائب أحمد الفضل فهو في الغالب مع السلطة الحكومية بالحلوة والمرة، حاله من حال الكثير من رفاق حزب النظام، مفهوم الحرية عندهم ما تحدده هذه السلطة حسب رؤيتها، فهم طبعاً يرفضون أي وصاية محافظة على الحريات الشخصية، كحرية إقامة حفل أو حق الناس في الفن وفي البهجة، لكن الحريات تقف عند تلك الحدود ولا تتجاوزها، فحق نقد السلطة الحاكمة وتجاوزاتها كأهم حق سياسي مرفوض عندهم، وبالتالي فالحريات السياسية لا تشغل حيزاً مهماً في أولوياتهم، فرفاق حزب النظام هم في حالة زواج كاثوليكي مع السلطة... وبالتالي هم من تتحقق معهم مقولة "الشيوخ أبخص" دائماً.لنسأل أين نقف اليوم مع قضية الحرية، بمعناها المجرد العام وغير القابل للتجزئة؟ فحقنا بالحريات السياسية كما نص عليها دستور الدولة لا يصح أن يختلف عن حقوقنا في الاعتقاد والتعبير دون حفلات ملاحقة الساحرات، كالتي كانت تجرى في أوروبا عصور الظلام وأيام محاكم التفتيش حين يهرول البعض لملاحقة فرد ما بحجة أنه كشف عن إلحاده المزعوم أو غير ذلك. حقنا في الحرية، هو حقنا في الديمقراطية الحقيقية، وهي غائبة منذ عقود، تلك الديمقراطية تكون بتعبير رولان بارت "عندما توجد المسافة الفاصلة بين الدولة والحياة الخاصة، على أن يعترف بوجود هذه المسافة، فتضمنها مؤسسات سياسية ويضمنها القانون..."، أما في حالنا فلا مؤسسات سياسية ضامنة لهذه الحرية، بل هي مؤسسات تنتهكها بصورة متكررة، أما القانون فهو مفصل تماماً لقبر هذه الحرية، ولا عزاء للأحرار.