الصراع سياسي لا قانوني
من الخطأ تضييع وقت الناس وإشغالهم في لجة صراع حقوقي أكاديمي حول تفسير نصوص قانونية مُعينة مع إهمال فلسفة القانون باعتباره أداة الغرض منها تنظيم الحياة العامة، والأدوات مجرد وسائل يحدد نوعها وطريقة استخدامها من بيده السُلطة.
يتوهم البعض أن الصراع في مجتمعاتنا هو صراع حقوقي-قانوني يدور حول غياب نصوص قانونية معينة أو طريقة تفسيرها، في حين أن الصراع في جوهره هو صراع سياسي مُعبّر عن صراع اقتصادي، فالدساتير في كل دول العالم تعكس موازين القوى السياسية في مرحلة تاريخية معينة، علاوة على أن القوانين لا تهبط من السماء، بل توضع وتنفذ بحسب ميزان القوى على الأرض، بمعنى آخر، فهي تُفصّل تفصيلاً ثم تُنفّذ وفقاً لمصالح القوى المُسيطرة. ولهذا السبب نجد أن هناك وبالذات عندما تختل موزاين القوى في غير مصلحة عامة الناس، قوانين غير عادلة وأخرى جائرة، وثالثة ظالمة لا تحقق العدالة الاجتماعية حتى لو طُبّقت بحذافيرها، هذا ناهيك عن مسألة التعسف والانتقائية في تطبيق القانون.
وفي هذا السياق، عندما شنّ الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في بداية سبعينيات القرن الماضي معركته السياسية مع من كانت وسائل الإعلام الرسمية تُسميهم "مراكز القوى"، ثم هجومه الشرس، بعد ذلك، على القوى الوطنية الديمقراطية، كان يردد آنذاك وباللهجة الشعبية مقولته الشهيرة "كُلّه بالقانون"! وقد كان مُحقّاً في ذلك فالقوانين تُفصّلها وتُنفذها قوى سياسية مُسيطرة كي تُحقق مصالحها، ومن ضمنها "قانون العيب" المُعِيب الذي استخدمه السادات بشكل واسع ضد خصومه السياسيين. وينبغي ألا ننسى أيضاً أن المناضل الأسطورة الراحل نلسون مانديلا مكث 27 عاماً في سجون نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وذلك بناء على قانون جائر وظالم وضعه آنذاك جماعة البيض العنصريين، ثم عندما تغيرت موازين القوى السياسية تغيّر وفقاً لذلك الدستور والقوانين، فخرج مانديلا من السجن، وأصبح فيما بعد رئيساً لجمهورية جنوب إفريقيا.على هذا الأساس فإنه من الخطأ حصر العمل العام والسياسي في الجانب الحقوقي أو القانوني، رغم أهميته، وكأن ذلك لوحده هو الذي سيحقق الإصلاح السياسي والعدالة ويرفع الظلم الاجتماعي من دون النظر إلى حقيقة أن القوانين في كل مكان في العالم، كما السياسات العامة، تُعبّر عن مصالح فئات وطبقات اجتماعية مُسيطرة. كما أنه من الخطأ أيضاً تضييع وقت الناس وإشغالهم في لجة صراع حقوقي أكاديمي حول تفسير نصوص قانونية مُعينة مع إهمال فلسفة القانون باعتباره أداة الغرض منها هو تنظيم الحياة العامة، والأدوات، كما هو معروف، مجرد وسائل يحدد نوعها وطريقة استخدامها من بيده السُلطة. ومن هنا تأتي أهمية العمل السياسي-الديمقرطي من أجل خلق موازين قوى جديدة مؤيدة لتطوير النظام الديمقراطي وتوسيع عملية المشاركة الشعبية والحقيقية في سلطة صنع السياسات واتخاذ القرارات العامة بحيث تُقرّ قوانين عادلة تُطبّق على الجميع من دون تعسف وانتقائية.