من المؤكد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لديه حق عندما يشكو من أنه ورث مشكلة كوريا الشمالية الصعبة، حيث إن الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون لم يبد أي اهتمام بالتفاوض أو حتى الاستماع إلى ما يقوله أي شخص عن سعيه المتهور للحصول على الأسلحة النووية والصواريخ الطويلة المدى اللازمة لإيصالها. ولكن حقيقة أن ترامب ورث المشكلة لا تعفيه من مسؤولية التصدي لها، حيث فشل حتى الآن في وضع استراتيجية، ناهيك عن تطبيقها للتعامل مع كوريا الشمالية، وقد كان إنجازه الوحيد بعد عام تقريباً من رئاسته هو فرض عقوبات إضافية في الأمم المتحدة، والأسوأ من ذلك أن شكواه المريرة عن أسلافه تشير إلى أنه ليس لديه فكرة عما يجب القيام به بعد ذلك.
لقد جاءت محاولة ترامب الأخيرة لمعالجة هذه المشكلة في وقت سابق من هذا الشهر عندما أعلن بشكل صاخب أن إدارته ستعيد كوريا الشمالية الى قائمة وزارة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وكان قراره رمزيا إلى حد كبير، وإن كان مبررا على ضوء سلوك كيم، وهو قرار يشبه قرار الرئيس السابق جورج بوش الابن في أكتوبر 2008 بإزالة كوريا الشمالية من تلك القائمة.ويدعي البيت الأبيض أن إعادة تسمية كوريا الشمالية دولة راعية للإرهاب تعتبر "خطوة حاسمة"، وهذا غير صحيح فالخزانه الأميركية لا تتطلب حتى هذا التصنيف لصياغة عقوبات إضافية، لأن الدول الراعية للإرهاب غير مؤهلة للحصول على الدعم العسكري الأميركي الذي لم يكن ممكنا على أي حال بالنسبة إلى كوريا الشمالية، كما أن الولايات المتحدة ممنوعة بحكم القانون من دعم أي قروض أو أي أشكال أخرى من المساعدات المقدمة إلى الدول الراعية للإرهاب من المؤسسات المالية الدولية التي تعد الولايات المتحدة عضواً فيها، ولكن كوريا الشمالية ليست عضوا في أي مؤسسة مالية دولية.وكما أشار كثيرون فإن قائمة الإرهاب ليست بأي حال من الأحوال ملخصا كافيا ووافيا للبلدان التي قد تكون أجهزة الأمن التابعة لها متورطة مع جماعات إرهابية وتضم القائمة الكاملة حالياً أربعة بلدان فقط، وهي: إيران وكوريا الشمالية والسودان وسورية، وعلى الرغم من علاقات الدكتاتور الفنزويلي الراحل هوغو شافيز بالقوات المسلحة الثورية الكولومبية التي صنفتها وزارة الخارجية الأميركية أنها منظمة إرهابية، فقد تمكنت فنزويلا من البقاء خارج القائمة ويعتقد الكثيرون أن أجهزة الأمن الباكستانية كذلك تحتفظ بعلاقات مع جماعات لدرجة أن الباكستان أصبحت مؤهلة لأن تُدرج في القائمة.ومع ذلك وحتى كبادرة رمزية فإن سياق قرار بوش إزالة كوريا الشمالية من القائمة كان مختلفا تماماً عن قرار ترامب إعادة إدراجها فيه، ففي عام 2008 كانت كوريا الشمالية استوفت شروطاً معينة: أولا، وافقت على المشاركة في المحادثات السداسية مع الصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة (والتي قمت بتمثيليها كمساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ) وكان الهدف الصريح للمحادثات هو نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، وكانت النتيجة إغلاق كوريا الشمالية لمرفقها النووي في يونغبيون.وعلاوة على ذلك كانت كوريا الشمالية في وقت رفع اسمها من القائمة تشارك أيضاً في محادثات لإنشاء نظام للتحقق من أنشطتها النووية، وقد دعا النظام مفتشين دوليين إلى يونغبيون وقدم سجلات جوهرية لعمليات مفاعل يونغبيون التي لا تزال واحدة من أكثر الموارد دقة لقياس كمية البلوتونيوم المنتجة فعلاً هناك.وفي ذلك الوقت وافقت كوريا الشمالية على تفجير برج تبريد مفاعل يونغبيون من أجل أن ترد جميل الفعل الرمزي للولايات المتحدة بعمل رمزي مشابه، وبالطبع كانت تلك صفقة جزئية، ولكن ترامب كان سيقبلها بأقصى سرعة لو تم عرضها عليه.وفي وقت لاحق بدأ الاتفاق بالانهيار وذلك بسبب رفض كوريا الشمالية الثابت للاعتراف بأنه كان لديها برنامج، في الماضي أو الحاضر، لتطوير المواد الانشطارية عن طريق اليورانيوم عالي التخصيب، حيث فشل النظام في شرح المشتريات الدولية من المعدات بما يتفق مع مثل هذا البرنامج، وقد أثارت عينات من المواد المتخصصة التي قُدمت من النظام إلى الدبلوماسيين الأميركيين مزيداً من الشكوك لديهم.وبعد توقف دام عدة سنوات عاد مفاعل يونغبيون النووي للعمل مرة أخرى، ومن الجدير بالذكر أن جميع التجارب النووية الست التي أجرتها كوريا الشمالية منذ عام 2006 تتفق مع البلوتونيوم المحصود من المفاعل قبل المحادثات السداسية، ومما لا شك فيه أن إمكان قيام كوريا الشمالية بتشغيل مرفق لليورانيوم عالي التخصيب في مكان ما في مشهدها النفقي أمر يبعث على القلق البالغ، ولكن يونغبيون، على عكس أولئك الذين جادلوا بأنه كان في مراحله الأخيرة، كان يشكل دائماً خطراً واضحاً وحاضراً.وحقيقة أن ترامب يمكنه أن يضع كوريا الشمالية مرة أخرى على قائمة الإرهاب مع ضجة بيروقراطية قليلة وبدون تداعيات دولية تقريباً تفسر لماذا تعد القائمة عقاباً من المفيد أن يبقى تحت تصرف للولايات المتحدة، وأن معيار إلغاء التسمية– أي انعدام الأعمال الإرهابية أو التعاون مع الجماعات الإرهابية في الأشهر الستة الماضية- يتسم بالمرونة الكافية بحيث يمكنه بسهولة استخدام الخروج من القائمة كأده تفاوضية، وبالمثل يمكن إعادة التسمية عندما تستدعي الظروف ذلك، من مثل ما خطط كيم لاغتيال أخيه غير الشقيق في مطار ماليزي.سيتطلب حل مشكلة كوريا الشمالية جدية في الهدف ومستوى عاليا من الانضباط الذي لم يظهره ترامب، علما أن السياسة الفعالة تتطلب التعاون مع الصين لا إغداق الرؤساء الصينيين بالمديح، وينبغي أن يقوم هذا التعاون على أساس التزام طويل الأجل لا على معاملات لمرة واحدة، وربما الأهم من ذلك أنها تتطلب تواصلا يوميا ليس مع الصين فقط، بل مع جميع أصحاب المصلحة الإقليميين الآخرين أيضا.إن هذه السياسة ستستفيد من وجود وزير خارجية أميركي يلتزم بالحفاظ على فريق من المهنيين الدبلوماسيين ذوي الخبرة ومن اعتراف ترامب ومستشاريه بأن البناء على جهود الأسلاف هو أكثر فعالية من اتهامهم بأنهم جعلوا العمل أكثر صعوبة، ومع الأسف أن هذا الدرس الأخير لا يزال بعيداً عن هذه الإدارة.* كريستوفر روبرت هيل* مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشرق آسيا، وهو عميد كلية كوربل للدراسات الدولية في جامعة دنفر، ومؤلف كتاب القاعدة الأمامية.«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
استراتيجية ترامب المفقودة لكوريا الشمالية
04-12-2017