• استضافت قاعة صلاح طاهر في «الأوبرا» معرضاً استيعادياً لك بعنوان «رسائل» تضمن أعمالاً من فترة السبعينيات حتى عام 2017. لماذا هذا النوع من المعارض راهناً؟- كنت فكرت في المعرض الاستيعادي مرات عدة، فلديّ أعمال من السبعينيات والثمانينيات لم يرها الجيل الراهن، من ثم قررت عرضها لإبراز مراحل التطور والفلسفة الفنية لهذه التجربة، وتفنيدها وإعادة قراءتها ثم اكتشاف ما يعبِّر منها عن المرحلة الراهنة.
اكتشفت أن رحلتي كانت طويلة. 64 عاماً مضت بسرعة البرق. كان أول معرض قدمته عام 1971، ومعرضي الأخير 2017. رأيت بعد تأمل أعمالي تطوراً في التقنية في الفترة الأولى. كنت أرسم من الذاكرة، ثم بدأت أهتم بوجود شخص يجلس أمامي من الأهل أو الأصدقاء، وخرجت بعد ذلك إلى الطبيعة ورسمت من الواقع مباشرة.يضمّ المعرض 50 لوحة زيتية ومائية، من بينها 30 لوحة تمثِّل مسيرتي، وتضمّ لوحة عن النبي «موسى» رسمتها في بواكير حياتي. كذلك في المعرض جزء من أعمالي الجديدة، ويحمل كل منها رسالة للمجتمع مثل لوحات: «خادم القوم سيدهم، والرزق على الله والشغل عليك، ودعوا الأطفال يعيشون طفولتهم، ومن فضلك أنظر إليّ باحترام». كذلك يضمّ المعرض محطات مهمة في تاريخي مثل «النوبة»، و«موناليزا المصرية»، وقدمت أيضاً لوحات شخصية اعتمدت في بعضها الأسلوب الكاريكاتوري، وفي أخرى القلم الرصاص. كذلك عرضت لوحة «امرأة بين الماضي والحاضر» كونها لا تعيش في الحاضر، إذ تشعر بالقلق من الغد، وتعاني بعض الذكريات الآليمة من الماضي.
موناليزا
• عرضت لوحة «الموناليزا» في معرضك الأخير وكنت أقمت لها معرضين كاملين. ما سر ولعك بها؟- تمثِّل الموناليزا بالنسبة إلي التقاء جماليات ومثاليات دافنشي العلمية والفنية، إذ كان لديه رسائل علمية يحاول الوصول إليها. كان ينظر إلى نفسه كمخترع أكثر من كونه فناناً، وجمع في الموناليزا هذه الأمور كافة: طريقة جلوسها، والنظرة مع خلفية اللوحة تجسد علاقة وثيقة كأنها امرأة موجودة قبل تكوين الكون.• ذكرت أنك تجوّلت في متاحف عدة بحثاً عن الموناليزا. كيف وجدتها؟- عندما كنت في صدد إطلاق معرض خاص عن الموناليزا ركّزت على البورتريهات، ورأيت أن ثمة ثلاث لوحات منها مهمة لا بد من رؤيتها، بالإضافة إلى اثنتين أقل أهمية. من ثم، قررت زيارة المتاحف التي تحتوي على الخمسة أعمال مهما بعدت المسافة. مثلاً ثمة بورتريه في واشنطن، وآخر في بلدة كاكاو في بولندا، وطبعاً لوحة في متحف اللوفر، وآخرى في ميلانو. ذهبت في زيارات رسمية، والتقيت بالمنسقين المتخصصين بأعمال عصر النهضة والمسؤولين عن خروج الأعمال مثلما خرجت من مرسم ليوناردوا دافنشي قبل أن تطولها يد الزمن.• تضمن معرضك السابق لوحات لأطفال تحمل علم مصر وتشي بملامح الثورة. ماذا عنها؟- في معرضي السابق «هنا القاهرة» الذي استضافه غاليري «بيكاسو» قدمت أعمالاً عدة لا تؤرخ للثورة بقدر ما تظهر مفهوم فكرتها. تتمثل الرسالة الموجهة منها في ضرورة أن نضع مستقبل أبنائنا نصب أعيننا، ومن هنا كتبت 400 اسم لأطفالنا على الجزء الأبيض من العلم باللوحة، بالإضافة إلى حمامة السلام، كذلك لوحة «أين الخبز» من اللوحات القليلة التي تحمل معاني اجتماعية سياسية، وتتحدث عن أن «من لا يملك قوته اليومي لا يملك قراره السياسي».فن البورتريه
• برعت في رسم البورتريه، فكيف تنظر إليه، وهل ثمة سمات معينة لا بد من توافرها في من يرسمه؟- في فن البورتريه نبحث عن الوجه الإنساني بطريقة تلقائية، إذ إن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي. لذا تقع على عاتق الفنان مسؤولية كبيرة، فلا بد من أن يظهر تشريح البورتريه بطريقة صحيحة، كذلك فكرة الإضاءة والألوان، وكيف نلون البشرة، لأنها تختلف حسب الضوء الساقط عليها. ويتمثّل الأمر الثالث في التكوين، فلا بد من أن تكون في البورتريه حياة، وثمة لمسات توضع في العين والجسد تشعرنا بحيوية البورتريه كأنه يتحدث إلينا.• ما هي رؤيتك لمعارض البورتريه الأخيرة؟- أرى أنها معارض على قدر كبير من الأهمية، بدأت تعطي البورتريه آفاقاً جديدة، وأسهمت في توظيفه لهدف أبعد.• ما هي خطوط اللون الأساسية التي تنطلق منها، وما هي أسس اللون عندك وفلسفته؟- تكمن فلسفة اللون في اختياره، إذ يكون له مدلول تعبيري يعتمد على نظريات اللون. يعطي الأحمر مثلاً إحساساً بالثورية، والأزرق بالصفاء، والأبيض بالسلام. لكن أعتقد أن المهم عندي استخدام اللون من خلال سياق اللوحة، وتختلف كثافته لديَّ لأنه يحمل كمية الإضاءة، وهي مهمة جداً، لأنها تمثل الإيهام بحقيقة العمل، فعندما أرسم لوحة البورتريه أهتم بمصدرها، لأنها تجعل المشاهد يشعر بأنه مشارك في العمل المعروض.دافنشي الشرق
أطلق النقاد على فريد فاضل «دافنشي الشرق»، لرسمه صوراً متعددة لـ«الموناليزا»، وإقامته معرضاً في إطار احتفالية كبرى عن ليوناردو دافنشي بمناسبة مرور خمسمئة عام على لوحة «سلفاتور مندي»، مثّل حواراً مع إبداعات الفنان الراحل، لا سيما غير الكاملة والمفقودة منها. وكشف فاضل في المعرض سر لوحته «الموناليزا المصرية»، وقال إنها «لفتاة مصرية تدعى ياسمين علي صالح، والدها أستاذ جامعي صديق لي، وحين اختارتني لتصوير فيلم تسجيلي عني كان من بين الفقرات أن تصوّرني، وأنا أرسمها، وحين بدأت في ذلك وجدت فيها روح الموناليزا، فرسمت أربع لوحات لها.يجمع فاضل بين ممارسة الطب كاستشاري طب وجراحة العيون بمعهد الرمد بالجيزة، وبين ممارسة الفن التشكيلي، كذلك الموسيقى، إذ يشارك في العزف على البيانو والكمان مع جماعة كورال القاهرة، وشارك في حفلات عدة عزف خلالها مقطوعات لموزارت وبيتهوفن وبرامز وشوبان وغيرهم.ويرى د. فريد فاضل أن جزءاً كبيراً من الطب ينتمي إلى عالم الفن، وأن التكامل مهم للفنان، على الأقل في الإلمام وإدراك المعلومات العامة من متاحف التاريخ الطبيعي، ودراسة طب العيون تتطلب دراسة علوم البصريات، ونظريات الضوء والألوان، ما يضفي خلفية علمية ثابتة للإضاءة والألوان في اللوحات الزيتية.