خليجي ما بعد القمة!
نتمنى أن تحتضن الكويت القمة الخليجية الـ38 في أجواء تفاؤلية لرأب الصدع في هذه المنظومة الإقليمية، وأن تكون تتويجاً لجهود الوساطة الكويتية التي تولاها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله، بشخصه وعصارة تجربته السياسية المديدة، فحضور الأشقاء جميعاً في قمة الكويت هو نجاح دبلوماسي مهم في حد ذاته، ولعله بداية لمسح ما شهدته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من تراشق محزن على مدى الشهور الستة الماضية.قمة 2017 في حال انعقادها، بإذن الله، يفترض أن تكون إيذاناً لعهد جديد في مسيرة مجلس التعاون، يتجاوز الشعارات الرنانة والأحلام الوردية ومثالية الخطاب السياسي، فمنطقة الخليج العربي شهدت سلسلة من المشاهد والتطورات والحوادث الجسيمة منذ انسحاب بريطانيا منها عام 1971 وحتى الأزمة الخليجية 2017، ولو بدرجات متفاوتة ونتائج متناقضة شملت أبعاد الاقتصاد والسياسة والأمن، وامتدت جغرافياً على مستويات الداخل الإقليمي والمحيط الإقليمي والعالم الخارجي.منطقة الخليج تشكل أحد أقطاب الرحى في ميكانزم العلاقات الدولية المعاصرة وتداخلاتها المعقدة، وهي بؤرة ساخنة ومثيرة للاهتمام إقليمياً وكونياً، وسط تغييرات سريعة ومستمرة في معادلات التوازن والتحالفات المختلفة، التي يجب التعاطي معها في آفاق مفتوحة على العديد من السيناريوهات والمقاربات.
دول مجلس التعاون شهدت كذلك ولادة الكثير من مؤسسات القرار والمراكز البحيثة، وظهور كم هائل من النخب في مجالات السياسة الدولية، وما يقدمون من مساهمات واضحة في إعداد الرؤى المستقبلية، وبتواصل مع المراكز الأكاديمية والسياسية العالمية، ولذا فإن التعاطي مع الشأن الخليجي تحول إلى كتاب مفتوح يشمل النظريات والاستراتيجيات والسياسات بمقاييس عالمية.شعوب دول مجلس التعاون اليوم تختلف في أطر تفكيرها وطموحاتها وطريقة التفاعل مع الأحداث اليومية، خصوصا في الشأن السياسي، لما كان عليه الوضع قبل عقود من الزمن، حيث وسعت التقنيات الحديثة معالم التفكير وزادت مساحات الشفافية وتدفق المعلومات بالإضافة إلى طرق التعبير عن الرأي.إن ما سبق بيانه من حقائق فرضت نفسها على الأرض لا يمكن التغاضي عنه أو إنكاره ولا حتى تجاهله، ولذا يتطلب رؤى شاملة وواقعية وواضحة للتعامل معها، وفي مقدمة هذه التحديات مفهوم الأمن الإقليمي الذي لم يعد يحتمل الاجتهادات الشخصية أو القرارات الفردية.نأمل أن تتبنى قمة الكويت، وبمبادرة كويتية كما عودتنا، عنواناً رئيساً مفاده الأمن الخليجي الجماعي كعقيدة سياسية ومرجعية قانونية تساهم فيها دول المنطقة من جهة، والنخب ومؤسسات المجتمع المدني المختصة من جهة أخرى.هذا التنظير يعرف في الأوساط السياسية بالمسار الثاني، أي غير الرسمي، حيث يجتمع المختصون، خصوصا من ذوي الخبرة والسمعة العلمية لإعداد تصور أولي لمفهوم أمن الخليج بكل أبعاده بعيداً عن الأضواء والضغوط السياسية، ثم يرفع إلى مؤسسات اتخاذ القرار لبحثه وتفعيله في إطار شراكة حقيقية بين دول المجلس حكومات وشعوبا، فمجلس التعاون الخليجي في حال استمراره بعد قمة الكويت، إن شاء الله، لن يكون ولا يفترض أن يكون كما هي الحال مجرد تمثال أو اسم عديم الروح والفاعلية!