«تنويعات الجنوبي» عنوان معرضك الأخير. من أين لك هذه التنويعات وماذا تشتمل؟التنويعات عبارة عن تجارب متنوعة اكتسبتها من مناطق عدة، وثمة أعمال قديمة وأخرى حديثة، ولوحات عن الصعيد وأخرى عن ابنتي «زهرة» التي تقيم في أميركا، وأخرى خاصة بالطبيعة. كذلك يضم المعرض أعمالاً أنتجتها منذ خمس سنوات ولكنها لم تعُرض مثل تلك الخاصة بأسماء الإشارة «أنا – أنتم». ذلك كله صنع التنويع في المعرض الذي لا موضوع معيناً له.
قدمت بورتريهات متجاورة صغيرة الحجم لرجال من دون نساء. ما السبب؟كما تعرفين، مجتمع الصعيد ذكوري بامتياز. المرأة ليست موجودة في ذلك الفضاء الاجتماعي، وحتى في المدن الكبيرة. ولكن في أعمالي بهذا المعرض أنتقد هذا الوضع، إذ تجدين رموزاً مؤنثة قد تكون شخصيات خلفها امرأة أو سمكة أو حيوان له شكل بنت. المرأة موجودة ولكن الذكور أخفوها بطريقتهم. لذا أستعمل الرجل كأيقونة أو نموذج للرجل الصعيدي أو الجنوبي مثلي، فأنا ابن هذه الثقافة وأعرفها جيداً.ولكن لماذا تسود حالة من الوجوم على وجوه شخصياتك؟ يرجع ذلك إلى طبيعة المكان الذي تعكسه هذه الوجوه في الجنوب. لا بد من أن يكون الرجل خشناً ومتجهماً ورزيناً، لا يبكي أو يصرخ، هذا النموذج المعتاد للرجل في الجنوب. إنها طبيعة ثقافة مجتمع.يضم المعرض بورتريهاً كبيراً لنساء عديدات. ماذا عنه؟أرسم ابنتي الطفلة التي لم يتجاوز عمرها سبع سنوات كأنها تعيش في أجواء حالمة وأسطورية، تصنع عالماً وردياً حالماً في مجتمع خشن ليس بالمكان المفضل للمرأة. من ثم، طفلتي موجودة في اللوحات كافة. تستخدم الألوان الداكنة التي ربما تتفق مع طبيعة الجنوب، ولكن ثمة مرح لوني في بعض الأعمال. ماذا عنها؟حاولت في هذا المعرض أن أجعل الألوان أكثر مرحاً وبهجة بسبب وجود ابنتي كطفلة في اللوحات، ولكني عموماً أرتبط بالألوان الداكنة التي تأتي من الألوان الترابية أتساقاً مع البيئة التي أعبِّر عنها.
حكايات
ألا تخشى ملل المتلقي لتقارب عروضك؟أتفق مع رأيك، ولكن بحكم كوني سافرت خارج مصر مدة طويلة رأيت أن من المهم أن أقدم للأصدقاء ما أنجزته خلال ذلك، ومن الجميل أن التقى الأصدقاء والأجيال الشابة التي لم تعرف تجربتي. من ثم، أرى أن هذا المعرض بمنزلة إعادة تعريف بتجربتي، فالبعض يتذكر فحسب فكرة التوابل الأولى في مشروعي الفني، فضلاً عن أن تقديم معرض أو اثنين لن يسبب أي ملل.ثمة تقارب في مفهوم معرضيك «حكايات» و«تنويعات الجنوبي». فما تعليقك؟التقارب نوعي إلى حد ما. قدّمت في معرض «حكايات» حالة من النوستالجيا بعرض 15 عملاً فنياً متباين الأحجام والتقنيات، فتمثلت الفكرة في كيفية رؤيتي أعمالي بعد مرور فترة طويلة من الوقت أمضيتها في العمل الفني. من هنا، أخذت بعض هذه الأعمال القديمة وقررت إعادتها بتقنية مختلفة، حيث وجدت أن الأعمال نفسها ساءت وأثر الزمن فيها بالتآكل والتكسير، بل تفتت الخامة مع الحركة.نحن في صدد حالة نوستالجيا بالمعنى الإيجابي. كذلك حاولت اكتشاف نفسي من خلال إعادة قراءة الأعمال وتتبع ما أستجد عليّ من خبرات ومهارات لتطوير العمل. لذا لا يندرج معرض «حكايات» تحت بند المعارض الاستعادية ولكنه مجرد شغل قديم بداية من منتصف الثمانينيات نفذت عليه شغلاً جديداً عام 2017 كي يفهم المتلقي العلاقة بين الماضي والحاضر.هل جاء تنوع أحجام اللوحات بسبب طبيعة الفكرة التي تفرض القالب المسموح به؟أفضل المساحة الكبيرة فالحجم الصغير يضغط الفنان ويضعه في مناطق ضيقة. ولكن ثمة لوحات صغيرة تحمل موضوعات وعوالم كبيرة مثل تلك التي قدمها بول كلي، لكن المساحة في معرضي معقولة إلى حد ما وتحكي حكايات بسيطة، وأنا أحب السرد عموماً.مكتبة في علبة
قدّمت «مكتبة في علبة» من أجل تحفيز الأطفال على القراءة. ما طبيعة هذا المشروع؟فكرت في هذا المشروع منذ سنوات عدة بحثاً عن طريقة تحفز الأطفال على القراءة، وهو عبارة عن علبة ربما تكون فيها رواية أو قصة قصيرة أو معلومة عن شخصية أو مكان عام مع ورقة صغيرة للرسم والتلوين ولعبة للطفل ووجبة طعام. تهدف فكرتي إلى دفع أطفال القرى والنجوع إلى القراءة لأني عشت في الصعيد وأعرف أن الكتب لا تصل إلى أطفال الجنوب بسهولة. عموماً، تنير القراءة العقل وتبعد الطفل عن العند والعنصرية، من ثم يجب تفعيل هذه العادة بشتى الطرائق.في الغربة
أقام محمد الجنوبي سنوات عدة في الخارج فأتُيحت له الفرصة للاطلاع على تجارب الفنانين الكبار أمثال بيكاسو وجياكوميتي وغيرهما. يقول عن ذلك: «قمت بزيارات إلى متاحف الموما والمتروبوليتان وغيرهما، كذلك بحثت عن الفن الإسلامي والآسيوي والمخطوطات التي لا تتُاح في الكتب. كانت تجربة السفر مهمة، خصوصاً عندما يراها الفنان بتأمل. ثمة تجارب من منطقة الشرق الأوسط لها حضور في الغرب وتأثير، خصوصاً من يعملون في الفن المعاصر أمثال منى حطوم وشيرين نشأت».وعن مدى ما تعكسه تجربته الفنية من انشغاله بالبحث عن الهوية والاهتمام بتأصيل الجذور، ذكر: «يشغلني هذا الموضوع من منطلق التاريخ الشخصي والعام. في النهاية الفنان يتورط مع الحوادث التي يعيشها يومياً، فما نقدمه نتاج للمنظومة التي نحيا في إطارها».