المسرح... «للرجال فقط»؟!
المخرجات في مصر بين العزوف مسرحياً والإقبال سينمائياً
مع كل عرض مسرحي يحمل توقيع مخرجة يُثار الجدل حول أسباب عدم حماسة المرأة للعمل مخرجة مسرحية، مقارنة بعدد المخرجات السينمائيات. فهل طبيعة العمل المسرحي نفسه تفرض ذلك والصعوبات التي تتسبب في تعثر كثير من الأعمال؟
شهدت الساحة الفنية في مصر أخيراً عدداً من العناصر النسائية الشابة قدّمت عروضاً نالت الإشادات في فعاليات برنامج«العرض مستمر» لدعم وتشجيع التجارب النسائية في الكتابة والإخراج المسرحي.شمل البرنامج عرض ثلاثة نصوص مسرحية على مسارح خاصة، من بينها مسرح الفلكي في مبنى الجامعة الأميركية، حيث عبّرت المرأة عن رؤيتها الخاصة لحياتها وقضاياها من خلال مسرحية«حل الضفاير» من تأليف سالي ذهني وإخراجها.كذلك بدا لافتاً عرض«45» من إخراج ندى ثابت، فضلاً عن«خط الأم» الذي كانت بدأته الممثلة والمخرجة الأميركية إليزا سيمبسون في نيويورك وقدمت عروضاً عدة منه في عدد من الولايات الأميركية، إلا أنه عُرض لأول مرة خارج أميركا خلال برنامج«العرض مستمر» بين سيمبسون والمخرجة المصرية داليا بسيوني وفرقة سبيل للفنون.
شهد المسرح نفسه«الفلكي» عرض«تشارلي ومصنع الشوكولاته» للمخرجة سمر جلال، ما يؤكد أن ثمة جيلاً جديداً من المخرجات بدأ يتحمس لخوض التجربة وإعلان نفسه بقوة.نسأل هنا: لمَ تبقى تجارب النساء في الإخراج المسرحي قليلة، وهل هو عزوف جماعي أم مجرد حالات فردية تركت آثارها في الواقع المسرحي؟ وهل للأمر علاقة بأعراف اجتماعية باعدت بين المرأة والمسرح رغم تقدير أعمالها من النقاد، ومُشاركتها في المهرجانات المسرحية، فكانت سبباً في تقليص عدد المخرجات مقارنة بالمخرجين، أو بالمتحمسات لخوض التجربة سينمائياً؟ أم أن الأزمات التي يعانيها المسرح عموماً هي التي أدّت إلى ذلك الواقع، الذي يبدو انه بدا يتغيّر؟.
مخرجتان
في البداية، ترى المُخرجة داليا بسيوني أن حالة العزوف النسائي في الجانب المسرحي واضحة، مشيرة إلى أن السبب غالباً يكون له علاقة بالمجتمع، تحديداً المعاناة بسبب العادات الاجتماعية وظروف النشأة، فضلاً عن أن العمل الإخراجي يتطلب جهوداً وتفرغاً وممارسة مستمرة والسهر حتى ساعات متأخرة من الليل... كلها عوامل تسهم بشكل أو بآخر في تقليل عدد المخرجات أو إعاقة التجارب.كذلك توكد أن النجاح في العمل المسرحي عموماً يتطلّب توافر مقومات مؤهلة عدة للنجاح، في مقدمها الجرأة الكافية لضمان الاستمرارية، وهو ما ينقص فتيات كثيرات رغم تمتعهن بالموهبة.وتضيف بسيوني:«العرض الخاص بخط الأم جزء من دراساتي العليا في فن المسرح بأميركا، تحديداً في نيويورك. اجتهدت من خلاله في رصد حكايات الأمهات والجدات وكشف أمور متوارثة فيزيولوجياً وتاريخياً تؤثر بشكل ما في حاضر النساء».وتتمنى داليا أن تُعرض مثل هذه الفعاليات في مجتمعنا بصورة مستمرة، وتبني أكبر عدد من الأفكار والمبدعات وتنفيذها لظهور وجوه جديدة تثري الساحة حتماً. أما ندى ثابت المُخرجة المسرحية فتعتبر أن تجربة الإخراج المسرحي طريفة في حد ذاتها، وهي ترفض تقسيم المسرح بين مؤنث خاص بالنساء وآخر مذكر مخصص للرجال، ولكن يبقى الإبداع هاجساً إنسانياً كبيراً يجمع بين الرجل والمرأة. وتضيف أن المسرحية التي قدمتها تدور حول قصة امرأة وجدت نفسها فوق فراش في إحدى المستشفيات بين الوعي واللاوعي، حيث تستعرض شريط ذكرياتها الذي يمتد 45 عاماً، هي سنوات عمرها، محاولة البحث عن إجابة لسؤال واحد: هل هي سعيدة أم لا؟رأي النقد
يرى الناقد محمد الروبي أن قلة العنصر النسائي في الحضور مسرحياً ليس في مصر فحسب، بل في كثير من دول العالم، تحديداً على مستوى العالم العربي، أي أن المسألة لا تخص المسرح المصري فحسب، مؤكداً ألا أسباب تتعلق بسيطرة الجانب الذكوري على الساحة، إذ بعض المخرجات لا يملكن الشجاعة الكافية نظراً إلى أن العمل يتطلب مجهوداً وساعات طويلة وقدرة مادية، ومع غياب الدولة عن أداء دورها في هذا المجال لن تظهر المواهب إلى النور.
داليا بسيوني اجتهدت في رصد حكايات الأمهات والجدات وكشف أمور متوارثة