بعد عصر الإنترنت وتابعه غوغل الذي عنده الخبر اليقين، من المفترض أن ينقرض جنس "ماني فاهم الموضوع!"، أقول من المفترض لأن البحث "الغوغلي"– ولا يهون ياهو وبنغ- اليوم لا يحتاج أكثر من إرادة بحجم حبة الحمص لنبش خوافي أي موضوع كان من "راسه إلى كرياسه"، وكون البعض يحبذ الخروج من مولد غوغل بلا حمص فهذا يبقى موضوعا آخر مرتبطا بكسل الاستفهام عند صاحبه، واستثناء لا يلغي قاعدة المفترض وقانون الواقع الذي قطعا لا يحمي مغفلي غوغل.لفهم ما يجري حاليا أنصح سياح غوغل أن يستخرجوا كبداية فيزا "ميلتون فريدمان"، ويلصقوها على شريط البحث بعدها "يمشون سيده" حتى يجدوا "مدرسة شيكاغو" على يدهم اليمنى، ثم يذهبون بعد خطوات أو كيلو بايتات قليلة يمينا أيضا وسيجدون بناية كبيرة اسمها "عقيدة الصدمة"، تحتها ترقد بقالة صغيرة تسمى "ناعومي كلاين"، وهناك سيجدون ما لذّ وطاب من فهم ومعرفة لـ"عقيدة الصدمة" دستور الواقع المعاصر.
عقيدة الصدمة التي نظر إليها فريدمان من مدرسة شيكاغو وشرحتها ناعومي كلاين في كتابها تقول: "الأزمات فقط، حقيقية أو متصورة، تنتج تغيراً حقيقياً"، ولذلك إن احتجت لتمرير شيء ما فاختلق أزمة لتمريره فقط، فالناس وقتها سيرضون بأي شيء تحت وطأة الظروف الشديدة نفسيا، والتي قد تكون وهمية ولا أساس لها من الصحة، هذا الأسلوب الشيكاغوي كان في البداية نفسياً، ثم تحول إلى اقتصادي، وبعدها إلى سياسي، ثم صار نظرية "حارة كل من إيدو إلو"، يستخدمه الكل مع الكل، المسؤولون والسياسيون والتجار والإعلاميون، يكفي هنا لإقرار أمر ما إثارة هلع وصدمة بين الجمهور المستهدف لينتهي بخوفه غير المبرر واقعا، وليخلو الجو لصاحب الصدمة لإحراز هدفه، وبزاوية تسعين الرضا الشعبي. من يتابع أطروحات السياسيين والاقتصاديين والطائفيين والعنصريين في وطننا العربي فإنه سيجد عقيدة الصدمة ترفرف خفاقة فوق رؤوسهم عاليا، الطائفي الذي يحلم بمقعد في البرلمان لابد أن يصدم جمهوره ويصور لهم الطوائف الأخرى بالغول الذي سيختطف زهرة معتقدهم، ويبيد تراثهم عن بكرة أبيه وأمه وخالته وعماته وبنت جيرانه، طبعا الطائفي هنا هدفه ليس الصدمة، فكثير مما يقوله بروبجندا لم يفكر فيها إبليس برفيسور الشر في العالم، ولكنها ستنجح في جعلهم يصوتون له في الصناديق لكي لا تغلبهم بالصوت الطائفة الشريرة الأخرى. العنصري يلعب حجر الصدمة وحجر الكراهية كذلك، فعادة العنصري لا وزن له في الحياة، ولا قيمة لولا سيرك التميز الموهوم الذي يرجو زيادة مبيعات شباك تذاكره مع كل خوف وهلع من الآخر، والذي يثيره في قلوب ذوي عقدة النقص والذين يعجبهم أفيون كلامه ويشعرهم بالنشوة الكاذبة فيتعاطونه ليهدئوا صداع جماجمهم المريضة. هناك طبعا أمثلة أخرى تخص السياسيين في وطننا العربي، ولكني دليل سياحي بغوغل ومرتاح في عملي، ولا أفكر إطلاقا بالذهاب لسياحة وراء الشمس، كما أنه ما في غوغل يكفي لفهم كل ما يجري، ولكنكم قوم "لا تغوغلون".
مقالات
خارج السرب: ولكنكم قوم لا «تغوغلون»!
06-12-2017