في عهد ترامب... آن الأوان للتخلص من العلاقات المميزة
مع نهاية السنة الأولى من عهد ترامب يُعتبر اليوم وقتاً مناسباً لنتخلى عن أوهامنا، وإذا أرادت بريطانيا أن تصبح دولة ناضجة تتمتع بمقدار من احترام الذات، فقد آن الأوان لننظر إلى الولايات المتحدة بعين ثاقبة ونتعاطى معها كحليف يتبدّل قادته.
عندما أدلى ترامب بالقسم قبل 11 شهراً كانت كلمة الساعة التطبيع، ولكن يجب ألا نتعامل مع هذا الرجل على أنه رئيس عادي، وذلك حسبما أشار خصومه الأميركيون لأنه ليس كذلك، فخلال الجزء الأكبر من السنة الماضية اشتعلت مناظرة التطبيع داخل الولايات المتحدة، لكنها تحولت اليوم إلى قضية عالمية، وفي بسيط العبارة كيف يلزم أن تتعاطى شعوب العالم مع ترامب؟اتخذت هذه المسألة في بريطانيا طابعاً ملحاً خصوصاً خلال الأيام الماضية حين أعاد ترامب تغريد ثلاثة أشرطة مشتعلة مناهضة للإسلام غير مثبتة، كان قد نشرها نائب قائد "بريطانيا أولاً"، وهو فصيل من اليمين المتطرف جداً، مما دفع بمجموعة غير مألوفة من الأصوات إلى التوحد لإدانة الرئيس لأنه أضفى شرعية على هذه الرسالة، حتى نايجل فراج ومحبو نظريات المؤامرة في موقع Infowars الإلكتروني الأميركي عجزوا عن الدفاع عنه.يتمحور التركيز اليوم حول دعوة ماي ترامب للقدوم إلى بريطانيا في زيارة رسمية، ولا شك أنها ندمت على هذه الخطوة راهناً: لا يمكن في ظل الجو الحالي الترحيب بترامب على سجادة حمراء ومنحه جولة بعربة مذهبة في جادة مول.
لكن التراجع عن الدعوة، وخصوصاً أنها صادرة رسمياً عن الملكة، سيشكّل إهانة كبيرة تساهم في تفاقم التوتر أكثر.رغم ذلك فإن نشوء هذا الوضع الغريب يشير بحد ذاته إلى مشكلة أكبر: السخافة التي ندعوها علاقات مميزة. نقول "سخاقة" لأن البريطانيين وحدهم يدعونها كذلك، فلا يستخدم الأميركيون هذه العبارة تلقائياً، وعندما يقومون بذلك تكون هذه الخطوة نابعة من التزامهم محرجين بتلبية حاجة البريطانيين، فقد أقر المسؤول السابق في وزارة الخارجية جيريمي شابيرو في شهر أكتوبر أن رؤساءه حرصوا دوماً على استعمال هذه العبارة أثناء زيارات البريطانيين "إلا أننا كنا نسخر منها في الكواليس". من اللافت للنظر أن إيمانويل ماكرون نجح في استضافة ترامب في باريس ومواجهته في مسائل مثل التغير المناخي من دون التسبب بدراما نفسية تُذكر، ويُقال إن الرئيس الأميركي يحب نظيره الفرنسي كثيراً، لكن الوقائع تُظهر أيضاً أن فرنسا تمكنت من البقاء منفصلة أكثر من بريطانيا في تعاملاتها مع الولايات المتحدة، فقررت باريس ما تريد إنجازه في العالم، وبالاستناد إلى ما يخدم مصالحها تحدد ما إذا كانت ستعمل مع واشنطن أو ضدها، ونتيجة لذلك تبع بلير جورج بوش الابن إلى بغداد، في حين لم يتردد جاك شيراك في عدم المشاركة في هذه المسألة، ولذلك يعتبر روبن نيبلت مدير معهد تشاثام هوس، أن علينا التخلص من هذه التفاهة العاطفية والتصرف "بصلابة أكبر".في المقابل يدعو مؤيدو الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى التمسك بهذه العلاقات، ربما مررنا بمرحلة كان باستطاعتنا فيها الحد من روابطنا مع الولايات المتحدة، إلا أننا صرنا عاجزين عن ذلك اليوم، فعندما نخرج من الاتحاد الأوروبي، سنحتاج في رأيهم إلى الولايات المتحدة كشريك في اتفاق تجارة حرة جديدة.حتى لو قبلنا بهذا المنطق يبقى ترامب الرجل غير المناسب للاعتماد عليه، وندرك جيداً أنه يعتبر التجارة الحرة خدعة، فقد كتب ذات مرة أن الصفقة الوحيدة الجيدة هي الصفقة "التي تسحق فيها خصمك وتحقق لنفسك نتائج أفضل".إذاً، يُعتبر اليوم، مع نهاية السنة الأولى من عهد ترامب، وقتاً مناسباً لنتخلى عن أوهامنا، وإذا أرادت بريطانيا أن تصبح دولة ناضجة تتمتع بمقدار من احترام الذات، فقد آن الأوان لننظر إلى الولايات المتحدة بعين ثاقبة ونتعاطى معها كحليف يتبدّل قادته، فهؤلاء القادة يعكسون حيناً قيمنا ومصالحنا ويناقضونها أحياناً، ويعملون في حالات نادرة بدأب لتقويضها، وعندما يحدث ذلك يجب أن نكون مستعدين للدفاع عن أنفسنا والتصدي لواشنطن، ونمر اليوم بإحدى هذه الحالات.* جوناثان فريدلاند* «الغارديان»
مررنا بمرحلة كان باستطاعتنا فيها الحد من روابطنا مع الولايات المتحدة إلا أننا صرنا عاجزين عن ذلك اليوم