أين الشعب الأميركي؟!
يتساءل الأميركيون، خاصة في هذه الأيام، لماذا تكرهوننا؟ وهذا الكلام موجه للعرب شعوباً لا حكومات.والجواب بالطبع: إننا لا نكرهكم كشعب جاء إلى هذا البلد، الولايات المتحدة، من رياح الأرض الـ4، وإنما نكره هذه الإدارة، التي على رأسها هذا الأكثر صهيونية من تيودور هيرتزل، وإدارات سابقة ربما هي أكثر سوءاً من هذه الإدارة، ولكننا نعتب عليكم انسياقكم وراء مجموعات الضغط الصهيونية التي تتعامل مع اللحظة الراهنة ومع موازين القوى الحالية، ولا تدرك أن احتلال "الفرنجة" الصليبيين تلاحق لنحو ثلاث مرات وأكثر من عمر إسرائيل، لكنه في النهاية زال ورحل، كما ستزول هذه الدولة المصطنعة، وسترحل بالتأكيد. وهذا ليس كلاماً إنشائياً على الإطلاق، ولو أن الاحتلال - وأي احتلال - يبقى بلا نهاية، لكانت أميركا بولاياتها المتعددة الآن جزءاً من بريطانيا العظمى، ولكانت الجزائر جزءاً من فرنسا، ولكان العراق لايزال امتداداً للدولة الصفوية الإيرانية، وأيضاً لكانت الإمبراطورية العثمانية لاتزال قائمة ومستمرة، ولما كانت هناك كل هذه الدول العربية، التي لو أن الأمور بالأماني لتمنينا أنها دولة واحدة شديدة المركزية، بعيداً عما يسمى فدرالية وكونفدرالية، وكل هذه الاختراعات الاستعمارية الغربية.
نحن، كعرب، لا يمكن أن نكره شعباً طيباً كالشعب الأميركي، ولكننا لا يمكن إلا أن نكره دونالد ترامب وإدارته هذه، التي لصهره غاريد كوشنر فيها قرار ملزم أكثر من قراره، وهكذا فإن السؤال الذي بقيت الأجيال العربية المتلاحقة تردده منذ سبعين عاماً وأكثر هو: ما هي مصلحة الولايات المتحدة يا ترى في أن تقدم مصالح إسرائيل، حتى في عهد هذه المجموعة العنصرية الفاسدة التي على رأسها بنيامين نتنياهو، على مصالح الأميركيين؟ قد تسمعون في إعلامكم المنحاز ضد مصالحكم - وهذا الكلام موجه للشعب الأميركي - أن إسرائيل مظلومة وليست ظالمة، وأنها لم تقم كمشروع استعماري غربي، وأن الحركة الصهيونية ليست استعمارية، وأن الذين احتلت بلادهم واقتلعوا من وطنهم ليسوا الفلسطينيين وإنما الإسرائيليون، في حين أن الحقيقة التي يجب أن تعرفوها هي أن انحياز بلدكم في هذا الصراع المتواصل منذ سبعين عاماً وأكثر هو انحياز إلى جانب الظالم والظلم والاحتلال والاستبداد، وأن ما يفعله ترامب هو اعتداء على حق الشعب الفلسطيني في أن يكون له مكان تحت الشمس في وطنه فلسطين التي لا وطن له غيرها.لقد دعتكم إدارة ترامب إلى تجنب "القدس القديمة"، أي القدس الفلسطينية، إذا زرتم إسرائيل التي هي فلسطين المحتلة، ويقيناً انه عليكم أن تدركوا أن الاعتراف بهذه المدينة عاصمة موحدة للدولة الإسرائيلية سيجرح وجدان ملياري مسلم، وسيعطي لهذا الإرهاب الذي يضرب العالم بأسره إبراً منشطة، وسيجعل المصالح الأميركية، مصالحكم، معرضة لردود الأفعال غير المنضبطة، وهنا فإن السؤال الذي من المفترض أن توجهوه ليس إلى كوشنر، بل إلى رئيسكم هو: ما هي مصلحة الأميركيين في هذا الذي تفعله، وبأي حقٍّ تقوم بما تقوم به مخالفاً لقرارات الأمم المتحدة وتوجهات شعوب العالم بمعظمها ودول الكرة الأرضية بأكثريتها؟!