مر تأسيس ديوان المحاسبة الأردني بثلاث مراحل، ارتبطت بشكل وثيق بتطور الظروف السياسية والاقتصادية والتشريعية في المملكة الأردنية الهاشمية، الذي وضع 6 مهام رئيسية له، أبرزها «مراقبة واردات الدولة ونفقاتها وطرق صرفها، والرقابة على الأموال العامة للتأكد من سلامة إنفاقها بصورة قانونية وفاعلة، إضافة إلى تقديم تقرير سنوي عن الحساب الخاص بكل سنة مالية إلى مجلس النواب».

وعلى هامش مشاركته في ملتقى الريادة، الذي استضافه ديوان المحاسبة الكويتي، التقت «الجريدة» رئيس ديوان المحاسبة الأردني د. عبد الخرابشة، الذي وصف في البداية ملتقى الريادة، ونتائجه وما تخلله من ورش عمل، بأنه «تجربة فريدة للشباب يمكن الاستفادة من أفكارهم للارتقاء بعمل ديوان المحاسبة».

Ad

الخرابشة، الذي شغل عدة مناصب، من نائب رئيس ديوان المحاسبة الأردني إلى رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، عاد مجدداً إلى «الديوان» ليشغل منصب رئيسه منذ أكثر من عامين.

وفي سياق ما تناوله اللقاء من دور ديوان المحاسبة الأردني في محاربة الفساد والوفورات التي حققها للمال العام، كشف الخرابشة أن الديوان من خلال رقابته السابقة واللاحقة، نجح في توفير 52 مليون دينار أردني خلال عام 2016، لافتاً إلى أن وضع المملكة في محاربة الفساد لابأس به، وأن أغلب المخالفات، التي يرصدها في تقاريره تخص «البلدية» إذ يقوم بها الأفراد المنتخبون خدمة لناخبيهم، أملاً في الفوز بالانتخابات مرة أخرى.

دعوة وجهها الخرابشة إلى الدول العربية لأن تركز اهتماماتها على الشباب في كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مشدداً على أنه «إذا التزمنا في وطننا العربي بالأنظمة والقوانين، فلن يكون حينئذ من داعٍ لمكافحة الفساد».

• بداية، ما تقييمك لملتقى الريادة الذي استضافه ديوان المحاسبة الكويتي؟

- أولا، اتقدم بالشكر إلى رئيس ديوان المحاسبة بالانابة في الكويت عادل الصرعاوي، ودعوته الكريمة لزيارة الكويت، والتباحث بين الاجهزة الرقابية ممثلة في ديوان المحاسبة الاردني ونظيره الكويتي.

وركزنا في اليوم الاول للملتقى على سبل التعاون وتحقيق الاستفادة المشتركة فيما يتعلق بالتدقيق والتدريب وتبادل الخبرات والتجارب الخاصة بهذه الاجهزة، وتنسيق المواقف المشتركة في المؤسسات الدولية والاقليمية، لأن الدولتين عضوتان في المجلس التنفيذي للمجموعة العربية لأجهزة الرقابة، وفي "الانتوساي"، ونلتقي في بالمؤتمرات، فتمت المناقشة باستفاضة حول كيفية التنسيق فيما يطرح، والاستفادة من تجربة العالم الغربي "الافروساي" بالنسبة للدول الناطقة باللغة الانكليزية، وتبين لنا ما يقومون به من تقدم في مجال الرقابة.

أما اليوم الثاني فشهد انطلاق منتدى للشباب، ووجدته تجربة فريدة يمكن الاستفادة منها، وتم أخذ مجموعة من الشباب أعمارهم أقل من 35 سنة، ووضعوا في مجموعة من الفرق لتبني مجموعة من الأفكار لتساعد ديوان المحاسبة وترتقي بعمله.

من هذه الأفكار اذكر 3 نماذج، الأول اهداف التنمية المستدامة، وهو موضوع مهم تستفيد منه كل الدول، ويتبناه العالم اجمع على مستوى الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية والدولية، وأجهزة الرقابة معنية بشكل اساسي بتحقيق كل هذه الاهداف.

والنموذج الثاني في ديوان المحاسبة هو فريق دراسة منهج التدقيق المبني على قياس المخاطر، وقد فاز بانه من الموضوعات المهمة التي يجب تبنيها، ويبحث المخاطر المحتمل حدوثها في عمليات التدقيق.

أما النموذج الثالث فهو إعداد وتصميم إطار قياس الأداء، ويركز على مدى تحقيق الصرف للاهداف، فإذا انفقنا ولم نحقق الاهداف فلا فائدة من الصرف، وكذلك تقييم الأداء البيئي وما شابه ذلك، والعدد الاجمالي للفرق وصل الى 39، كل فريق متخصص في بحث ما يخصه، وأصبح ديوان المحاسبة خلية نحل يقوم بمهامه بشكل جيد.

الامر المهم في هذا المنتدى انه يعطي الثقة للشباب للقيام بمهامهم بحرية وعدم إهمال تجارب الآخرين، ولديهم قدرات واتصال بالوسائل المعلوماتية، لكن في ذات الوقت يحتاجون الى المعرفة التراكمية الموجودة لدى كبار الموظفين.

• كيف ترى إمكانية مساهمة ديوان المحاسبة في خلق فرص اقتصادية للشباب؟

- هذا الموضوع مهم جدا باعتباره محورا من المحاور، التي يمكن تبنيها، وهو علاقة ديوان المحاسبة مع الآخر، الذي قد يكون مجلس النواب أو الحكومة أو الشركات أو ديوان الخدمة المدنية الذي يوظف الشباب، وفتح مناهج وطرق واساليب توظيف جديدة للشباب، ومثل هذه اللقاءات تؤدي الى تبادل التجارب بشكل جيد ويخدم التوظيف.

• هل ترى أن أبواب الحكومات العربية مفتوحة للشباب، وتمكنهم من تبوؤ المناصب القيادية؟

- إذا اخذنا الوطن العربي ككل فإن 70 في المئة من سكانه من الشباب، وبالتالي يجب على الدول العربية في كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ان توجه اهتماماتها لهذه الطاقة الكبيرة المتوفرة لديها، من خلال فرص الاستثمارات والتدريب وفتح فرص العمل لهم، فهم الطاقة القادرة على التغيير والابداع، والقيادات المستقبلية لمجتمعاتنا رضينا ام ابينا.

• حدثنا عن التعاون بين ديوان المحاسبة الاردني ونظيره الكويتي؟

- ديوان المحاسبة الاردني يعتبر مركزا تدريبيا للمجموعة العربية، وبالتالي هناك مجموعة طويلة من البرامج التي ينفذها الديوان، ليس فقط لموظفيه، بل يتم توزيعها على كل الدول العربية لمن يرغب في الاستفادة، وبالتالي بدأت الوفود تأتي من الامارات وعمان والسعودية والكويت وغيرها للمشاركة في هذه الدورات، وهذا هو الجانب الأول.

والجانب الثاني الدراسات والابحاث التي يقوم بها ديوان المحاسبة الاردني، اضافة الى الجانب الثالث المتمثل في تبادل الزيارات والتنسيق في العمل، والجانب الرابع من خلال الجهاز التنفيذي لاجهزة الرقابة الذي يجتمع بصورة دورية ويجتمع مرة سنويا على الاقل.

• التقيت رئيس مجلس الامة مرزوق الغانم ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك، فما فحوى اللقاءين؟

- في الحقيقة، زيارة الرئيسين الغانم والمبارك كانت فرصة جيدة لي ولزملائي، وما دار جزء منه بروتوكولي (ترحيبي)، والجزء المهم هو ما يتصل بأجهزة الرقابة ودواوين المحاسبة، من حيث القانون، وكيف يمكن تطويرها والتعاون مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وكيف يمكن أن يعمل ديوان المحاسبة من خلال تدقيقه السابق أو اللاحق بشيء من المرونة، بحيث لا تتعطل الاجراءات والعمليات الاستثمارية ومعاملات الناس.

• بالنسبة للرقابة السابقة هناك اتهامات دائما ما توجه لديوان المحاسبة بأنه سبب في تعطيل تنفيذ المشاريع؟

- القانون تضعه الحكومة ويقره مجلس النواب، وهو القانون الذي يطبقه ديوان المحاسبة، ونحاول ما استطعنا العمل بروح الفريق وروح القانون، وأن نسهل ما امكن على الدوائر والمؤسسات.

وتجربتنا •في الاردن لا نرغب في أن نكون شركاء في هذا القرار، من خلال التدقيق السابق، وقمنا بوضع نظام لوحدات الرقابة الداخلية موجودة في كل دائرة أو مؤسسة حكومية تحل محل ديوان المحاسبة في التدقيق السابق، ونحن ننسحب الى التدقيق اللاحق، حتى لا نكون شركاء في اتخاذ القرار، وهذا يساهم في تخفيف الضغط على الديوان.

ولكن باعتقادنا كديوان المحاسبة أن التأخير يأتي من الدوائر والمؤسسات، لكنهم يلقون باللوم على الديوان، لأنه لا يتصل مباشرة مع الجمهور، وإنما من يتصل هو الدائرة نفسها والموظف الحكومي.

• المادة 119 من الدستور الاردني تنص على أن يشكل بقانون ديوان المحاسبة لمراقبة ايرادات الدولة وطرق صرفها، فهل نجح في تحقيق الهدف الذي انشئ من أجله؟

- تجربتي طويلة في ديوان المحاسبة، واعتقد ان ما يقوم به انجاز كبير جدا، ويلبي كل ما يطلب منه على مستوى التقرير الذي نضع به كل الملاحظات والمخالفات المرتكبة، ونقوم بتصنيفها الى 3 مجموعات، الاولى نطلب من مجلس النواب تحويلها الى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد للتحقيق فيها، والثانية قضية خلافية بيننا وبين الوزارة المعنية، ونطلب من مجلس النواب اتخاذ قرار، إما بإلزام المؤسسة بتصويب الاخطاء او اي قرار آخر يراه مناسبا، والثالثة إجرائية نتابعها بصورة دورية حتى يتم تصويبها.

حتى القضايا التي تحول الى مكافحة الفساد او القضاء يتابعها ديوان المحاسبة الاردني حتى يتم تحصيل الاموال، بمعنى آخر نلتزم بتقديم تقريرنا في موعده، وبهذه المناسبة فقد قدمنا تقريرنا لعام 2016-2017 إلى مجلس النواب الاسبوع الماضي، ولم يتبق لدينا سوى آخر تقرير للربع الاخير من 2017.

ونتعاون لأبعد مدى مع اللجنة المالية في مجلس النواب الاردني، ونحضر كل ما تطلبه اللجنة، حتى اذا طلبوا التدقيق على وزارة معينة أو في قضية معينة نقوم به على الفور، فلدينا بيت خبرة متميز متدرب على أعلى المستويات، وقادر على التدقيق السابق واللاحق.

• وكم حجم الوفورات التي حققها ديوان المحاسبة للدولة من خلال رقابتيه السابقة واللاحقة لعام 2016؟

- حقق الديوان من خلال رقابتيه السابقة واللاحقة خلال عام 2016 وفورات للمال العام قدرها 52 مليون دينار أردني.

• كيف ترى تعاون مجلس النواب الأردني مع ديوان المحاسبة؟

- بكل أمانة كان في العامين السابقين متعاونا للغاية مع الديوان، وتم تحويل معظم القضايا التي أوصى بها الديوان الى الحكومة أو الى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، والآن متعاونون جدا.

• حدثنا عن تجربتك في رئاسة هيئة مكافحة الفساد بالأردن؟

- في الحقيقة أنا أستاذ جامعي في الأصل، كنت عضوا في البداية بهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وكانت تأتي بعض المخالفات من ديوان المحاسبة، أو من شكاوى من الدوائر أو مؤسسات أو أصحاب عطايا، كانت كل هذه القضايا تدرس بشكل تفصيلي من لجان متخصصة من قبل أصحاب اختصاص في المجالات كافة.

وبعد ذلك كان هناك مجلس لمكافحة الفساد يرأسه رئيس و6 أعضاء آخرين، وكل ملف يعرض عليه يدرس بعناية مع الوثائق، ويتخذ قراره في جلسة له، وإذا لم يتبين له وجود جرم يستدعي إحالته الى النائب العام يحفظ الموضوع ويعاد الى الدائرة المعنية، أما إذا كانت مخالفات بسيطة أو إجرائية، فيطلب منها تصحيحها، وأما إذا كانت بها شبهة فساد، فيتم إحالتها الى المدعي العام للهيئة مباشرة، نفس الإجراء ونفس الطريقة اتبعتها عندما تسلمت منصب رئيس هيئة مكافحة الفساد.

• وما تقييمك لأداء الأجهزة الرقابية وقوانين ديوان المحاسبة في الدول العربية بشكل عام؟

- القوانين جيدة، لكن الإشكالية تبرز في مدى استقلالية هذه الأجهزة عن السلطات، الاستقلالية الإدارية والمالية، والحصانة الموجودة لدى رئيس ديوان المحاسبة، وألا تتدخل السلطة التنفيذية في عمله، وهنا يوجد تفاوت بين دولة وأخرى.

ما يلاحظ أن الدول العربية، مقارنة بالغربية، لاتزال بحاجة الى مزيد من التفهم لعمل هذه الأجهزة، بأنها لا تعمل ضد شخص أو وزارة أو حكومة بعينها، إنما هدفها هو تحقيق المصلحة العامة، والمحافظة على المال العام، وأن تطبق القوانين بعدالة وحيادية، ونسأل الله أن يحفظ الدول، وأن يعيد الأمن والاستقرار إليها، وأن تتجه باتجاه الديمقراطية، وأن تتفهم دور الأجهزة الرقابية للقيام بمهامها بالشكل الصحيح والسليم.

• كيف ترى مستوى الفساد في العالم العربي؟

- الفساد موجود في كل دول العالم، لكنه متفاوت، جزء منه ظاهر وجزء غير ظاهر، ولولا وجوده لما وجدت الأجهزة الرقابية، ولما وجدت الحوكمة ومحاولات إبرازها، لكن هناك تفاوتا بين دولة وأخرى، وهناك مجموعة من المؤشرات التي تقيس مدى تقدم الدولة في محاربة الفساد، فتجد مثلا بلدا مثل فنلندا علامتها 91، تأخذ رقم واحد على مستوى العالم في مكافحة الفساد، وليست لديها هيئة مكافحة الفساد، وإنما العدل والقضاء، والكل يلتزم بالأنظمة والقوانين.

وأعتقد أنه إذا التزمنا في وطننا العربي بالأنظمة والقوانين، فلبس هناك داع وقتها لمكافحة الفساد، وإذا أخذنا تجربة الأردن في مكافحة الفساد، فترتيبه 56 من أصل 140 دولة، وعلامته 55، وبالتالي فإن وضعه لا بأس به، ضمن هذا التصنيف تستطيع معرفة كم تتقدم لمحاربة الفساد.

المهمة الجليلة لسمو الأمير

بمناسبة القمة الخليجية الـ38 التي استضافتها دولة الكويت، قال رئيس ديوان المحاسبة الأردني: "أقدر عاليا الدور الكويتي الدور الذي يقوم به سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد والمهمة الجليلة التي يقوم بها من أجل رأب الصدع بين الدول الأشقاء، ونسأل الله أن تكلل جهوده بالنجاح، وأن تزول هذه الضغينة، وأن تعود اللُّحمة كما كانت سابقا وأكثر، وأن تزداد المحبة بين قيادات تلك الدول".

وفي ختام اللقاء قال: «الشكر والتقدير لصحيفتكم الغراء على هذه المقابلة الطيبة، ونسأل الله لكم التوفيق، وأن تكون منارة للمعرفة والتنوير في وطننا العربي، وأتمنى لوطننا العربي من محيطه الى خليجه الأمن والأمان والاستقرار، وأن تسود المحبة والديمقراطية بين شعوبه، وأن تنفتح الحدود بعضها على بعض، وأن يتعامل الناس بمحبة وتواد وتراحم، وأن نأخذ من التجارب الغربية التي صارت باتجاه الديمقراطية، ووجدت أن مصلحتها تجد اتحادات فيما بينها، وتفرض عليها فتح حدودها لاقتصادها وسياحتها وعلومها، رغم الحروب التي قامت بينها وأدت الى مقتل الملايين».

المخالفات ترتكبها «البلدية»

رداً على سؤال «بمناسبة تقريركم الأخير، هل ترى أن حجم المخالفات التي يرصدها الديوان في ازدياد، أم أن الحكومة تعمل على تلافيها؟»، أجاب الخرابشة: «الحقيقة أن معظم المخالفات التي ترتكب تأتي من سلطات الحكم المحلي (البلدية)، وهؤلاء أشخاص منتخبون، ويحاولون أن ينتخبوا مرة أخرى، وبالتالي ممكن أن يخالفوا الأنظمة والقوانين للمحافظة على شعبيتهم، وفي نفس الوقت يتم انتخابهم مرة أخرى، لذا فإن معظم المخالفات موجودة في البلديات والمجالس البلدية».

وأضاف: «أما الجهات الحكومية فهي أكثر قدرة على معرفة القوانين والأنظمة، والوزارات في الأردن ملتزمة، قد يكون هناك اختلاف في وجهات النظر بيننا وبينهم في بعض الأحيان، ونؤمن بأن لكل مجتهد نصيبا، وبالتالي إذا أخطأ المسؤول نكتب له لتصويب الخطأ، وإذا لم يفعل نرفع الأمر الى رئيس الوزراء لحل المشكلة ومعالجة المخالفة».