يقسِّم الدكتور حامد المطيري إصدار «الآثار الإسلامية عن الساحل الشمالي الغربي لجزيرة فيلكا» إلى ثلاثة فصول، تناول في الأول طبيعة جزيرة فيلكا من حيث موقعها الجغرافي وبيئتها المناخية والتكوين الجيولوجي للجزيرة، إضافة إلى الدور الحضاري الذي أدته من خلال مسح شامل للحضارات التي نشأت على أرضها، مروراً بالتسميات التي عرفت بها الجزيرة، وأهم موارد المياه والنشاط الاقتصاد في الجزيرة، في حين جاء الفصل الثاني متضمناً دراسة توثيقية ووصفية للمواقع الأثرية الإسلامية موضوع الدراسة وخصوص العنوان الأول كمدخل للعصور الإسلامية في دولة الكويت من منظور أثاري. أما الفصل الثالث فتضمن دراسة تحليلية مقارنة للعمارة واللقي الأثرية الدقيقة.
دراسة اللقي الأثرية
حول الإصدار يقول الدكتور حامد المطيري إن الكتاب يضمّ دراسة للآثار الإسلامية المكتشفة في شمال غرب جزيرة فيلكا، والتي حددت في موقعين مهمين هما: قرية سعيدة وقلعة الزور بوصف التفصيلات المعمارية والإنشائية ودراسة اللقي الأثرية المكتشفة في الموقعين. ومن المعروف أن هذين الموقعين يقعان على الساحل الشمالي والشمالي الغربي من جزيرة فيلكا، لافتاً إلى أن موقعي الدراسة يعتبران من المواقع التي شملها المسح والتنقيب الجزئي من فريق خليجي مشترك لعام 2001، وفريق محلي تابع لإدارة الآثار والمتاحف لموسم كامل 2004-2003، حيث كشف عن بعض المعالم الأثرية وعدد كبير من اللَّقي الأثرية الصغيرة المتنوعة.السلم الزمني مفقود
ويحدِّد المطيري العقبات التي تعترض الباحثين في هذه النوعية من الدراسات، ويقول ضمن هذا السياق: «تكمن مشكلة البحث في رصد وتوثيق الأثرية الاسلامية في موقعي قرية سعيدة وقلعة الزور بجزيرة فيلكا، في ظل عدم وجود دراسات علمية معمقة تتناول الآثار الإسلامية بالدراسة والتحليل في الجزيرة خصوصاً وفي دولة الكويت عموماً. وما يزيد من أعباء الدراسة عدم وجود سلم زمني واضح للعصور الإسلامية والحقب في جزيرة فيلكا على وجه الخصوص، نظراً إلى قلة البحث الأثري من جهة، ولمحدودية الدراسات الجادة المعمقة للمواقع الإسلامية من جهة أخرى كما أن لقلة المواد الأثرية المنشورة العائدة إلى العصر الإسلامي في دولة الكويت أثراً كبيراً في صعوبة إيجاد مادة للمقارنة، يُضاف إلى ذلك أن ما عثر عليه من لقي أثرية عبارة عن كسر».ويأمل الباحث بأن تحقق الدراسة الأهداف التالية: رصد التفاصيل المعمارية واللقي الأثرية في موقعي الدراسة وتوثيقها، وتحديد إطار زمني للموقعين في ضوء الدراسات الميدانية ونتائجها، إضافة إلى معرفة أوجه التشابه والاختلاف من حيث الطرز المعمارية والفنية وتقنية البناء، ومن حيث التشابه والاختلاف في اللقي الأثرية الصغيرة؛ إلى ذلك، محاولة التعرف إلى الأسباب التي أدت إلى بروزها، ثم اضمحلالها».فيما يتعلق بالمنهجية المتبعة في الدراسة، قال المطيري إنه نظراً إلى تنوع اللقي الأثرية المستخرجة من موقعي الدراسة (فخار وخزف وبورسلان) تتلخّص المنهجية في التعرف إلى مميزات كل مجموعة ضمن النوع الواحد، من خلال إخضاعها لمعيار رئيس وهو تحديد نوع الشوائب في العجينة، ثم أُخضعت كل مجموعة بعد ذلك لمعيارين فرعيين الهدف منهما ضبط المتغير الرئيس، هما: المعيار الفرعي الأول: العجينة أو البنية (fabric) وتناول هذا المعيار نوعية البنية وسماتها مثل (خشنة، متوسطة الخشونة، ناعمة). المعيار الفرعي الثاني: الزخرفة ونوعها، والهدف من استخدام هذا المعيار تتبع الزخارف المنفذة على القطع الفخارية وطريقة تنفيذها (الحز، التمشيط، الإضافة، القطع، التنقيط، التصبيع، التلوين)، ومعرفة المفضل منها في الاستخدام. ولتحقيق أهداف الدراسة فقد أُخذت عينات من كل مجموعة خزفية وفخارية وأخضعت للتحاليل الكيماوية في قسم الكيمياء في جامعة الكويت، بهدف التعرف إلى العناصر الكيماوية للتربة والتزجيج، ما يساعد في التعرف إلى مدى تطابق التصنيف، كذلك التواصل قدر الإمكان إلى معرفة الأنواع المنتجة محلياً والمستوردة.أما فيما يتعلق بالمنهجية المتبعة في توثيق العمارة، فاعتمد الباحث الأسلوب التوثيقي للظواهر الأثرية، فوصف كل ظاهرة من حيث الأبعاد والشكل بناء على محوري الشمال والجنوب (ش.ج) والشرق الغرب، (ش.غ) ثم الظاهرة الأثرية من الخارج أولاً، ثم وصف أية تفاصيل داخلية مهمة. كذلك اعتمدت المنهجية على وصف مواد البناء مثل الحجارة والطين وغيرها... ثم طريقة البناء، مع ذكر للمادة الأثرية المرفوعة من على سطحها، إن وجدت.الحفريات السابقة
يشار إلى أن الدراسة اعتمدت على تطبيق أكثر من منهج لتحقيق أهدافها، وهي المنهج الاستقرائي: استقراء المادة الأثرية الثابتة والمنقولة الموجودة على سطح موقعي الدراسة، وتلك التي كشف عنها أثناء التنقيب والمسح للتوصل إلى نتائج تتعلق بالاستيطان في جزيرة فيلكا وفي موقعي الدراسة خلال العصر الإسلامي.المنهج الوصفي: يركز هذا المنهج على وصف وتوثيق مواقع الدراسة وفقاً للمنهج العلمي الدقيق، كذلك يركز على وصف اللقي الأثرية مثل الفخار والخزف والبورسلان والزجاج والعملات وغيرها من اللقي الأثرية الصغيرة التي عثر عليها اثناء التنقيب والمسح.المنهج التحليلي المقارنة: يتناول هذا المنهج تحليل المعلومات التي خلصت إليها هذه الدراسة ومقارنتها للخروج بمعلومات وافية عن هذه المرحلة، كذلك يتناول المنهج تصنيف اللقي الأثرية وفق الطرائق العلمية الدقيقة ومقارنتها.ويشتمل منهج الدراسة على عدد من الإجراءات ستساعد في تطبيق مناهج الدراسة من بينها: وصف المعالم الأثرية الإسلامية وتوثيقها، والتعرف إلى المنشآت البنائية في موقعي قرية سعيدة وقلعة الزور، ودراسة اللقي الأثرية المحفوظة في متحف الكويت الوطني المكتشفة من خلال الحفريات والمسوحات السابقة من موقعي الدراسة، وعمل خرائط ورسومات وتصوير ووصف وتوثيق المعالم واللقي الأثرية في الموقعين من خلال الأعمال الميدانية السابقة ومن خلال الزيارات الميدانية.اليوحة: الدراسة تعيد تركيب المشهد الحضاري
في التقديم للإصدار قال الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب علي اليوحة: «يقدم رئيس قسم المسح والتنقيب الأثري في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، د. حامد المطيري دراسة عميقة عن الإرث الحضاري في الكويت، لا سيما أن الآثار شكّلت منعطفاً حاسماً في فهم تطور الفكر البشري من خلال وقائع مادية ملموسة متحررة بذلك من هيمنة الرواية التاريخية على صياغة تاريخ البشرية وحضاراتها، مشيراً إلى أن الدراسات الأثرية أسهمت في إعادة صياغة تاريخ منطقة الخليج العربي عموماً: وأرض الكويت خصوصاً، من جديد، إذ خاضت هذه الأبحاث في فترات تاريخية حرجة نقص فيها الدليل التاريخي وسكتت عنها الروايات الشفهية، فدرست آثارها وأصبحت أثراً بعد عين، ولعل السبب في ذلك الجمود التاريخي الذي أصاب فترات مختلفة من تاريخنا الحضاري، غياب التوثيق المعاصر لتلك الحضارات لأوجه النشاط البشري لسبب البعد عن مركز الإقليم، وقد أصاب هذا الجمود جزيرة فيلكا وأرض الكويت إبان فترات متفرقة من تاريخ ما قبل الإسلام والعصر الإسلامي المبكر، وقرون بعد ذلك في العصر الإسلامي الأوسط، وإن جاز لنا ترتيب الأدوار الحضارية لعصور ما قبل الميلاد في جزيرة فيلكا وأرض الكويت، فإن ذلك لن يأتي إلا من خلال الدليل المادي الأثري، الذي من خلاله يمكن صياغة رواية تاريخية سليمة عن الحضارات التي سادت في المنطقة».وعن الأهمية التاريخية لجزيرة فيلكا أكد اليوحة: «تاريخ الجزيرة موغل في القدم، يبدأ بنهاية الألف الثالث قبل الميلاد ويستمر حتى الوقت الحاضر، وكانت هذه الجزيرة الزراعية والغنية بالمياه العذبة محطة على الطريق التجاري الرئيس في الخليج العربي، لذلك نشأت فيها حضارات عالمية قامت بدرجة أساسية على إعادة تصدير السلع التجارية من شمال الخليج العربي إلى جنوبه والعكس، كذلك نشاط سكانها في مجال الزراعة والرعي والصيد البحري والغوص على اللؤلؤ، كما طرقت سفنها أدنى الأرض وأقصاها للمتاجرة بالسلع المهمة الشائعة في تلك العصور»...ويرى أن هذه الدراسة من طلائع الدراسات المعمقة ليس فقط عن آثار فيلكا بل والكويت خلال العصر الإسلامي، وقد انتهج الباحث فيها المنهج العلمي السليم المدعم بالأدلة المادية التي استخرجت من باطن الأرض ليعيد تركيب المشهد الحضاري من جديد، وهي تصف الحياة القديمة السياسية والتجارية والدينية والتحولات المهمة لمجتمع جزيرة فيلكا خلال فترة تاريخية غامضة من الناحية الحضارية.