لا تدمروا تلاحمنا الوطني
أصدرت محكمة الاستئناف يوم الاثنين الماضي، 27 نوفمبر 2017، أحكامها الخاصة بقضية دخول المجلس، في حُكم أذهل الجميع، لقساوته، خصوصاً بعد أحكام البراءة في الدرجة الأولى من التقاضي.وتعود أحداث القضية إلى مساء يوم الأربعاء 16 نوفمبر 2011 عندما نظمت مسيرة شبابية حاشدة كان هدفها التوجه لمسؤول لم يقم بالدور المطلوب منه في معالجة أوضاع سيئة مسَّت معيشة العديدين وحرياتهم، وفي الوقت الذي منعتهم قوات الأمن من تحقيق هذا الأمر، اتجهوا نحو الجهة القريبة منهم، وهو مجلس الأمة، الذي يُعد بيت الشعب، حيث أفسح لهم المجال لدخوله، ولم يكن هناك "مخطط شيطاني" لاحتلال المجلس باستعمال الأسلحة الخفيفة أو الثقيلة، كما لم تكن هناك أي مقاومة من الممكن الإشارة إليها تمنعهم من عملية الدخول نفسها، فلم يعطلوا جلسة برلمانية كان من المقرر إقامتها، ولم تكن هناك أيضاً لجنة برلمانية مجتمعة، فما حصل مجرَّد "اعتداء" على "مطرقة" الرئاسة وتلف في بعض الموجودات، ولم تتجاوز الأضرار أكثر من قيمة 400 دينار، كما أنه غير معروف على وجه التحديد من الذي قام بهذه التصرفات، ومع أن هذا غير مبرر ومدان، إلا أنه لا يصل إلى "الجريمة الكبرى".والغريب والمذهل في كل هذا، في آن واحد، هو القدسية التي أحاطت بمجلس الأمة، وجعل الدخول السلمي إليه بمثابة انتهاك، ومن أبشع الكبائر، وبات دخول المواطنين لبيتهم في أعراف البعض جريمة، في حين أن انتهاك قوى الأمن له "حلال".
وعندما نعود إلى الدستور الكويتي في مواده، فإنه يمنع قوات الأمن حتى من الاقتراب من المجلس، فللمجلس قواه الأمنية الخاصة، وهي تحت إمرة وتصرف رئيس المجلس وحده. لذلك نقول إن من اقتحم البرلمان ليس الشباب، بل السلطة التنفيذية، بأجهزتها الأمنية، مراراً وتكراراً، فهي التي قامت بتزوير انتخابات 1967، وهي التي قامت بالحل غير الدستوري عامي 1976 و1986، وهي التي حوَّلته في عام 1990 إلى مجلس وطني، بعدما ألغت الدستور وأعادته مجددا بعد تراجعها عن تعهداتها في مؤتمر جدة باحترام الدستور.ونتساءل: أين قدسية الدستور ومجلس الأمة، في ظل كل هذه الاعتداءات؟ ولماذا تصدر الأحكام القاسية على أبناء الشعب لمجرد دخولهم لبيتهم؟ وهل يدرك قضاتنا، الذين نعتز بنزاهتهم، ولديهم أحكام تاريخية رائعة صدرت من قبلهم ولم تشهد المنطقة العربية مثلها، أن مثل هذه الأحكام الموجهة للشباب المتهمين لم تكن موجهة بصورة أو بأخرى لهم، بل إنها مسَّت أبرياء من عائلاتهم؟ فمن سيدفع الالتزامات المالية التي عليهم من أقساط للسيارات والمصاريف الدراسية، وغيرها من متطلبات الحياة الاجتماعية التي لا ترحم أحدا؟الحقيقة أن الإنسان ليقف مذهولاً أمام هذه الأحكام، فهل هي نتيجة لرفض "البعض" منح القضاء أحقيته الكاملة بالاستقلال، كما نص عليه الدستور؟ استقلال يوفر للقضاة جميع الصلاحيات لاستنباط الطرق والوسائل لحمايتهم، ويفتح المجال لهم لمعالجة أي اختلال من الممكن أن يعوق عملهم، إذا ما حصل لا سمح الله. ورغم كل المعوقات، فإننا مازلنا نؤمن بأن قضاءنا الشامخ قادر على التغلب على الصعوبات التي تعترضه في أداء مهماته المقدسة، ليبقى الملاذ الأخير لكل مظلوم.نعلم يقينا حجم التحديات الكبيرة التي واجهت بلدنا في سابق الأيام، وما تنتظره في القادم منها، فما نحتاجه في هذه المرحلة الدقيقة هو التلاحم الوطني وقت الأزمات، والحرص عليه، في ظل ظروف حرجة وخطيرة فاقت ما كنا نخشاه.فرسالتي للجميع: لا تدمروا هذا التلاحم، لأن ذلك حتماً سيدمر البلد.