بعد نحو سبع سنوات من التداول في قاعات المحاكم، انتصر القضاء للشاعر عبد الستار سليم المعروف إعلامياً بـ«الراعي الرسمي لفن الواو»، وهو نمط شعري قديم كتبه أبناء الصعيد وما زال له رواة، خصوصاً في محافظة قنا «بصعيد مصر» التي ينتمي إليها الشاعر.

وتعد تلك القضية أشهر قضايا السرقة الأدبية منذ ثورة يناير 2011، وأحدثت أصداء واسعة في الأوساط الثقافية على المستوى العربي عموماً لارتباطها باسم شاعرين، أحدهما وهو هشام الجخ فاز بالمركز الثاني في مسابقة «أمير الشعراء» التي أقيمت في إمارة أبوظبي عام 2011، واشتهر بلقب «هويس الشعر العربي»، بينما يرتكز الثاني على رصيد هائل من قصائد ودواوين وجوائز وتكريمات وضعته في مصاف أبرز شعراء العامية في مصر، نظراً إلى نحته مصطلح «فن الواو» نسبة إلى نوعية من قصائد تراثية كانت تكتب في صعيد مصر بتقنية معينة، جمع منها عدداً كبيراً، وكتب على نهجها الكثير أيضاً، قبل أن يسطو الجخ على نحو 35 مربعاً شعرياً من ديوان سليم «فن الواو» وينسبها إلى نفسه تارة وإلى التراث طوراً.

Ad

وحقق الجخ شهرة واسعة على مستوى الشباب، من خلال قصائده الخاصة لكنه ظل سنوات يردد قصائد عبد الستار سليم في بداية أماسيه الشعرية من دون الإشارة إلى مؤلفها الأصلي، ما دفع الشاعر إلى مقاضاته إزاء المحكمة الاقتصادية لإثبات حقوق ملكيته الفكرية للمربعات الشعرية المسطو عليها، عبر دعوة قضائية حركها في 2011 المحامي والشاعر المعروف نزيه الحكيم، قبل أن يتولى القضية محامي اتحاد كتاب مصر فاروق عبدالله، ويصدُر حكم الأسبوع الماضي بإدانة هشام الجخ بالسرقة، وتغريمه مبلغ 50 ألف جنيه (نحو 2400 دولار أميركي)، تعويضاً لسليم عما أصابه من ضرر معنوي وأدبي كبير.

«واوات» الصعيد

رحَّب «جامع واوات الصعيد» بالحكم، فقال عبد الستار سليم في تصريحات لـ«الجريدة»: «سعيد بانتصار القضاء للحق بعد سبع سنوات كاملة، والذي أعده انتصاراً للأدب والأدباء وليس انتصاراً لشخصي، إذ كنت أخشى أن يتكرر هذا الأمر مع غيري من الأدباء والشعراء، فلا يجدون من يقف إلى جانبهم، خصوصاً أن هذه القضية تحديداً أحدثت دوياً كبيراً في الأوساط الثقافية، داخل مصر وخارجها، وخلط كثيرون بين التراث والإبداع الجديد».

وأوضح سليم الحائز جائزة الدولة التشجيعية في الأدب، أن «ديوانه الشعري «واو.. عبد الستار سليم» صدر عام 1995، ونُشرت أجزاء متفرقة منه عام 1987 في صحف ومجلات مختلفة، بينما نشرته مجلة «الوطن» العُمانية كاملاً في العام ذاته، ولدينا في الجامعات المصرية كراسي للأدب الشعبي، ولو صح ما قيل بشأن وجود قصائد هذا الديوان في التراث لتحدثت هذه الكراسي الأدبية عن ذلك، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، لأن ما قدمته إبداع خالص بقلمي».

وتابع: «كنت مصراً على استكمال رحلة التقاضي طوال هذه السنوات، نظراً إلى رفض هشام الجخ (وهو تلميذي الذي أحبه) تقديم اعتذار واضح على إحدى القنوات الفضائية لإنهاء الأزمة والاعتراف بما فعله، ولما خشيت من تكرار مثل هذه الأزمة مع غيري من الشعراء أو الأدباء عموماً، أصررت على أن أواصل مشوار التقاضي ليصدر حكم واضح في هذا الصدد، يُنهي حالة الجدل تلك، ولو أن الجخ قدم اعتذاراً على الملأ وفق شروطي لتنازلت عن القضية».

ووجه عبد الستار اللوم إلى وسائل الإعلام التي ركزت على استضافة الجاني (هشام الجخ) دونما الاستماع إلى الطرف الآخر، مضيفاً: «كان ضرورياً أن تستنفر الساحة الثقافية في مصر لمواجهة هذه الجريمة الأدبية، لكن على كل حال الحمد لله الذي نصر الحق، ويجب أن يرضى الجميع بكلمة القضاء، وألا يكون الحكم سبباً في إشاعة البغضاء أو الشحناء»، مؤكداً أن الغرامة المالية التي قضت بها المحكمة الاقتصادية (50 ألف جنيه) لا تمثل بالنسبة إليه شيئاً، بل الأهم عودة الحق الأدبي إلى صاحبه بعد هذه السنوات كلها.

من جانبهم، طالب عدد من متابعي القضية بتغليظ عقوبة السطو الأدبي، ومن بين هؤلاء الشاعر نزيه الحكيم الذي قال لـ«الجريدة»: الحمد لله الذي أظهر الحق أخيراً»، مؤكداً أن هشام الجخ لم يكن يصح أن يكابر طوال هذه السنوات، لأن المسألة محسومة منذ البداية، فهشام كان مشاركاً كمتسابق في العام 2007 في مسابقة لشعر العامية، أحد محكميها هو الشاعر الكبير عبد الستار سليم، ووقتها أهدى سليم ديوانه الشهير «واو عبد الستار سليم» للجخ، الذي بدوره عبر عن سعادته وقال نصاً ونحن شهود على ذلك «أنا مش مصدق نفسي إني واقف أمام قامة كبيرة مثل عبد الستار سليم»، ثم نفاجأ بعد سنوات قليلة بسطوه على 35 مربعاً شعرياً من الديوان، وحين وُوجه بذلك ادعى نسبتها إلى التراث، على خلاف الحقيقة».

وأضاف: «أهم أمر في الحكم أنه أعاد الحق الأدبي إلى شاعرنا الكبير، فالتعويض المادي هنا لا يهم، خصوصاً أن مثل هذه القضايا تشهد صعويات في التنفيذ، كذلك قضايا الملكية الفكرية يحكم فيها بالغرامات المالية فقط من دون السجن»، مطالباً اللجنة التشريعية في البرلمان بتعديل أحكام قانون الملكية الفكرية بما يسمح بوضع عقوبات رادعة تشمل السجن لمن تسول له نفسه السطو على إبداع الآخرين.