أكراد سورية يقتربون أكثر من روسيا
تعكس المواقف الكردية الأخيرة استعداداً أكبر للحوار مع دمشق، مما يعني أن الخيار الروسي يزداد ثقلاً في تحديد احتمالات التعاون، أما أنقرة من جهتها فتصر على معارضتها أي سيناريو يشمل الأكراد كمساهمين في عملية إعادة البناء والعملية السياسية بعد «داعش».
طوال السنوات الماضية خشيت تركيا أمرين في سورية، وسعت إلى تفاديهما: شراكة الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سورية، وحصول الأكراد على دور في عملية التسوية يجعل استقلالهم بحكم الواقع اليوم كوضع دائم.رغم كل جهودها أخفقت تركيا في وقف المساعدات الأميركية للقوات الديمقراطية السورية، التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، ويبدو اليوم أنها ستفشل في الفصل الثاني، الذي تؤدي فيه روسيا الدور الرئيس، فقد أعربت أنقرة عن استعدادها للتحاور مع دمشق نفسها، إلا أن منع الدور الكردي في عملية الحل عبر المسار الروسي يزداد صعوبة.في شهر مارس نشرت روسيا جنوداً في قرية كفر جنة في عفرين هدفهم المعلن مراقبة وقف إطلاق النار في المنطقة. وفي شهر يوليو أنشأت خلال تنفيذ عملية الرقة غرفة عمليات مشتركة ضمت الجيش السوري والقوات الديمقراطية السورية في منطقة صحراوية قرب الرصافة، واليوم مع الصلح تكتسب شراكة روسيا مع الأكراد بعداً أكثر أهمية.
يذكر مسؤول من حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب، أن التعاون الروسي-الكردي في دير الزور "استند إلى مبادرة روسية"، ومع بلوغ القتال ضد "داعش" نهايته، يدخل الأكراد مرحلة من الخيارات الدقيقة، حسبما يؤكد مسؤول كردي معني بعمل الإدارة المدنية في الرقة.يضيف هذا المسؤول: "نحاول أن نحافظ على علاقات جيدة مع الروس، إلا أن هذا لا يقلل من أهمية شراكتنا مع الولايات المتحدة. أخبرنا المسؤولون الأميركيون أنهم لن ينسحبوا قبل التوصل إلى حل سياسي في سورية، مما يعني أن الدعم الأميركي في المناطق المحررة من سيطرة "داعش" سيتواصل".يتابع موضحاً: "نشهد اليوم عملية أخرى، إذ تحاول روسيا أيضاً شدنا إلى صفها، فرغم الاعتراضات التركية سنشارك في مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي في شهر فبراير، وعلاوة على ذلك سيحضر هذا المؤتمر ممثلون عن الفدرالية الديمقراطية لشمال سورية، وسنذهب كوفد كبير يضم أقساماً عدة، سنكون نحو 40 شخصاً تقريباً". يشدد هذا المسؤول أيضاً على أن الولايات المتحدة تستطيع القيام بمبادرة سياسية مهمة تجاه الأكراد في الأيام المقبلة. يقول: "تبقى الشراكة اليوم على المستوى العسكري، حيث طالبنا منذ البداية بالاعتراف السياسي، ونتوقع تحقيق التقدم في هذا المجال في الأيام القادمة. أقصد أننا قد نشهد انفتاحاً أميركياً على الفدرالية الديمقراطية في شمال سورية".لم يحدّد المسؤول ماهية هذا "الانفتاح"، لكنه أكّد أن هذه المسألة "تُناقش كفكرة"، ويضيف: "قدّمت دول كثيرة الدعم للإدارة المدنية في الرقة، ومن الممكن لهذا الدعم أن يبلغ مستوى جديداً، ولا شك أن الولايات المتحدة ستواصل أخذ حساسيات تركيا في الاعتبار بسبب تعاونهما معاً في حلف شمال الأطلسي والقواعد العسكرية الأميركية [في تركيا]. وهكذا تبقى تركيا عامل تهديد وتوازن، ونأخذ نحن هذه المسألة في الحسبان، غير أن تعاوننا مع روسيا والولايات المتحدة كلتيهما يمنحنا نحن أيضاً نوعاً من التوازن".وفي تعليقات على الصحافة الروسية، ردّ ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي أن الوقت قد حان للحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد، مشدداً على أن الأكراد لا يسعون إلى الاستقلال، بل إلى إنشاء "جمهورية ديمقراطية فدرالية داخل سورية الموحدة".خلاصة القول، تعكس المواقف الكردية الأخيرة استعداداً أكبر للحوار مع دمشق، مما يعني أن الخيار الروسي يزداد ثقلاً في تحديد احتمالات التعاون، أما أنقرة من جهتها فتصر على معارضتها أي سيناريو يشمل الأكراد كمساهمين في عملية إعادة البناء والعملية السياسية ما بعد "داعش".* فهيم تاستيكين* «المونيتور»