هل سيقولون غداً خل القرعة ترعى؟
لماذا لم تُصلِح أمر الوزارة بكل فضائحها وعيوبها؟ وإذا كنتَ تعلم أن هذا الإصلاح مستحيل في ظل الواقع السياسي- الإداري الفاسد بالدولة، فلماذا لم تقدم استقالتك إلى رئيس الوزراء وتخبره أن فساد الوزارة التي كلفتني بها "لا تحمله البعارين"، وهذه مسؤوليتك أنت وأعضاء مجلس الأمة فتحمله وحدك، وابحث عمن تختاره بدلاً مني؟ مثل هذا المشهد السابق يمكن تخيله بعد لقاء وزير التربية السابق د. بدر العيسى مع جريدة الشاهد، الذي قال فيه، إن هناك حوالي 400 مدرس أو أستاذ في التعليم التطبيقي يحملون شهادات مزورة أو مضروبة، وقال أيضاً: "لو فكرتُ بتنقية وزارة التربية لاستغنيت عن نصف موظفيها"...! لماذا لم تفكر؟ ولماذا لم تشكل لجان تحقيق "وتفنش" أصحاب الشهادات المضروبة، التي غزت الدولة مثل الجراد من كليات وجامعات "أي كلام" العربية والأجنبية؟ ولماذا لم تستغنِ عن نصف موظفي "التربية"، وتوفر لهم رواتب مساعدة وهم جالسون في بيوتهم؟
بالتأكيد كان د. بدر العيسى سيجد العذر لعدم حمله سيف الإصلاح وبتر ذلك الشحم السرطاني في "التعليم العالي" أو "التربية"، لأن الكثيرين كانوا سيقفون أمامه معترضين ومهددين، سواء كانوا أعضاء مجلس الأمة، الذين يتحلقون حول كل وزير لتوقيع معاملاتهم بلا خجل، كأن هذا من طقوس العمل البرلماني، وبالمناسبة تلك الشاكلة من النواب هم نتاج وخلق سلطة الحكم بداية ونهاية، أو كانوا من جماعات الواسطة والمحسوبية وعصابات ومرتزقة الفساد، وغيرهم...! فليكن... وليهدد وليعترض مَن يشاء على "المجزرة المفترضة" في الوزارة، ماذا سيحدث غير ذلك؟... وفي أسوأ الأحوال ماذا يمكن أن نتصور غير أن يُطلَب من د. بدر الاستقالة، أو يُستجوَب، وعندها يمكنه أن يكشف عن كل سواد الوجه في الإدارة بالجلسة، ويقول للفاسد أنت فاسد، ولهذا تستجوبني... وسيدخل التاريخ من أوسع أبوابه... لكن الوزير العيسى، وحاله كحال 99.9 في المئة من وزراء سابقين (أو قادمين)، آثروا (وسيؤثرون) سكة السلامة. أعطيكم مثالاً بسيطاً من جورجيا، حين أراد قادتها إصلاح التركة التي خلفها السوفيات وإدارة شيفرنادزة، وجدت إدارة التعليم هناك ما وجده الوزير بدر، فتم إنشاء المركز القومي للتعليم لتصفية أمراض الجهاز التعليمي، والتحقيق بالشهادات العليا، وبسرعة قُلِّص عدد كليات تفريخ الشهادات العليا من 237 إلى 43 كلية فقط، وأُنهي عمل أصحاب شهادات "أي كلام" فوراً... وفي مجالات أخرى غير التعليم... مثل الشرطة... اتُّخِذت إجراءات مشابهة للقضاء على فسادها، وأنهيت خدمات أكثر من 15 ألف عسكري كانوا يقبضون المقسوم في عملهم... وغير هذا وذاك... ولا يتسع المجال هنا لاستعراض عمليات الحسم في مكافحة الفساد، وتم إصلاح الكثير من إرث الإدارة السابقة. الكويت طبعاً غير جورجيا، فهنا لدينا "غيلان" بأسماء "اذنك وخشمك طال عمرك" عائلية، وقبلية، وطائفية تسبح بكل حرية في بحيرة الريع الفاسدة، لكن هذا لا يمنع أن يقف الوزير أو القيادي ليقول كلمة "لا" لفيروسات الفساد ودولتهم العميقة، وليحدث بعدها ما يحدث، هذا إذا تم اختيار الوزراء بمعايير الصدق والنزاهة والكفاءة لا حسب قواعد... هذا محسوب على فلان الشيخ، والثاني مرضي عنه من أعضاء المجلس، والثالث لاسترضاء قبيلة أو عائلة ما... كي ننتهي آخر الأمر... مرددين عبارات مثل "لا حول ولا قوة إلا بالله"، و"الشق عود في البلد"، و"لا يمكن أن نفعل شيئاً فلندع القرعة ترعى".