بعد احتفالات عمّت العراق لإعلان ما وصفته الحكومة بـ«النصر النهائي» على تنظيم داعش في حرب بدأت عام 2014 ، أعلن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أنه سيحول فصيله المسلح «سرايا السلام» إلى مؤسسة خدمية، وسيسلم سلاحه إلى الدولة، دعماً لرئيس الحكومة حيدر العبادي، الذي يحاول تعزيز هيبة القوات النظامية، وضبط فوضى الميليشيات التي ساعدته في قتال المتطرفين.إلا أن الأكثر أهمية عند المراقبين في إعلان الصدر ليس مجرد دعوته لتسليم السلاح، وحل التشكيلات الشعبية، وهو أمر سترفضه الفصائل المقربة إلى إيران، بل اقتراحه أن يمنع رسمياً استخدام كلمة «الحشد الشعبي» الشائعة في وصف الميليشيات، ضمن أي دعاية انتخابية قبيل الاقتراع المفترض في مايو المقبل، مما يكشف صراعاً جديداً يتفاقم داخل البيت الشيعي؛ بسبب دخول أمراء الميليشيات لأول مرة في التنافس الانتخابي.
والمهمة الصعبة التي تواجه المراقبين حالياً هي الفرز بين الاتجاهات السياسية للفصائل المسلحة. وفي بداية ظهور الحشد الشعبي قبل ثلاثة أعوام، كان التمييز التقليدي يتحدث عن فصائل معتدلة مقربة إلى مرجعية النجف الدينية، وأخرى مقربة إلى رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، وثالثة قريبة إلى جنرال حرس الثورة الإيراني قاسم سليماني، أما المتغيرات التي جاءت بعد مرحلة انتهاء الحرب مع «داعش» فقد عبثت قليلاً أو كثيراً بهذا التصنيف.وبشكل عام، فإن الموقف من رئيس الحكومة المدعوم أميركياً حيدر العبادي، والانفتاح العربي المتسارع، وخصوصاً على دول الخليج، والعلاقة مع إيران، هي أمور تتحكم في تصنيف الجماعات الشيعية حالياً، وتجعل بعضها مرتبكاً في علاقته مع حرس الثورة، ومع المالكي.
وفي الشهر الماضي، افتتحت منظمة بدر، بزعامة هادي العامري المقرب إلى إيران، مكتباً في مدينة الكوفة بالنجف، المصنفة تقليدياً عريناً انتخابياً خاصاً بمقتدى الصدر، وبعد أيام شوّه متظاهرون واجهة المكتب، وطردوا موظفيه، مما أدى إلى إغلاقه ولو مؤقتاً، واتهم أنصار الصدر بتدبير ذلك منعاً للعامري من استخدام سمعة الحشد في التنافس الانتخابي.لكن العامري هو الآخر يبدو حريصاً على الانحياز للعبادي (أسوة بالصدر نفسه)، وإقامة علاقات جديدة مع استثمارات مالية عربية واعدة، وفق ما تؤكد مصادر رجال الأعمال، وهو ما جعل جناح المالكي وأطرافاً إيرانية يشككون في نواياه رغم قربه من الجنرال سليماني.وتعد هذه الانتخابات واحدة من أصعب تجارب الاقتراع التي يخوضها العراقيون، إذ تأتي بعد متغيرات عميقة تربك الفاعلين الأساسيين محلياً وإقليمياً، إذ هي أول انتخابات يشارك فيها الحشد الشعبي، كما أنها أول تجربة وسط انهيار أسعار النفط، وتراجع الرصيد المالي لدى النافذين في السلطة، وهي تجري وسط انفتاح عربي نادر على بغداد، وعلاقات معقدة بين الحليفين التقليديين الشيعة والأكراد، إلى جانب الظروف السيئة، وويلات الحرب التي تعيشها أهم المدن السنية في البلاد.