إعادة تشكيل الحكومة فهل من جديد؟
الحكومة لدينا مجرد واجهة لمشروع حُكم لا مشروع دولة، لذا فهي حكومة ثابتة في توجهها العام وطريقة اتخاذ القرار مهما أُعيد التشكيل الوزاري، إذ ليس لدينا تداول للسلطة التنفيذية بناء على برامج انتخابية يختارها المواطنون، مصدر السلطات العامة، مثلما هي الحال في النظام البرلماني الذي وضع إطاره الدستور.
في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية يختار المواطنون، باعتبارهم مصدر السلطات جميعاً، الحكومات بناء على توجهاتها العامة وبرامجها التي تلتزم بتنفيذها عندما تكون في السُلطة وإلا فقدت ثقة المواطنين، ودور الوزراء في الحكومات هو دور قيادي باعتبارهم "قادة الدولة" وساسة محترفين وليسوا كبار موظفين تنفيذيين. أما ما يُسمى وزراء "تكنوقراط" فهم أشخاص متخصصون في مجال عملهم لكنهم يلتزمون بتوجهات الحزب الحاكم وسياساته، وعادة، في الدول الديمقراطية، لا يتم اللجوء إلى الوزراء "التكنوقراط" إلا في حالات محدودة جداً بشرط التزامهم بسياسة الحزب الحاكم وبرنامجه، وذلك لأن العمل الحكومي هو عمل سياسي في الأساس لا عمل فني، فالطبيب الذي يتولى وزراة الصحة، على سبيل المثال لا الحصر، لن يعالج المرضى ويجري العمليات الجراحية، فهذا متروك للطاقم الطبي، بل سيرسم سياسات الدولة كافة باعتباره عضواً في الفريق الحكومي (مادة 123 من الدستور)، ثم يتولى الإشراف على شؤون وزارته وينفذ السياسة الحكومية فيها كما تنص المادة 130 من الدستور.
ما سبق هو الوضع السليم في الأنظمة الديمقراطية التي تتجدد باستمرار بحسب متطلبات مشروع الدولة والمتغيرات الداخلية والخارجية، أما لدينا، وكما ذكرنا من قبل، فالحكومة مجرد واجهة لمشروع حُكم لا مشروع دولة، لذا فهي حكومة ثابتة في توجهها العام وطريقة اتخاذ القرار مهما أُعيد التشكيل الوزاري، إذ ليس لدينا تداول للسلطة التنفيذية بناء على برامج انتخابية يختارها المواطنون، مصدر السلطات العامة، مثلما هي الحال في النظام البرلماني الذي وضع إطاره الدستور. أضف إلى ذلك أن الحكومات لدينا تستقيل بمعدل سريع (بحدود عام ونصف) نتيجة خلافات سياسية يكون مصدرها عادة مراكز النفوذ التي تتصارع على الحُكم، ثم يعاد تشكيلها بالتوجه العام ذاته، وبطريقة المحاصصة السياسية والترضيات التي تحددها قوة مراكز القوى داخل السُلطة ونفوذها مع تغيير في أسماء بعض الوزراء، لذا فإن معظم أعضاء الحكومة، مع احترام أشخاصهم ومهنيتهم في مجال تخصصاتهم بالطبع، لا علاقة لهم البتة بالسياسة أو إدارة الدولة ورسم السياسات العامة، فيتصرف بعضهم، كما نرى، وكأنهم من كبار الموظفين لا ساسة محترفين يرسمون السياسات العامة ويقودون الدولة والمجتمع، إذ يتدخلون في تفاصيل العمل التنفيذي مما يُربك عمل الجهاز الإداري الذي يشرفون عليه، بل إن بعضهم يظن أن التدخل في تفاصيل العمل التنفيذي تحت "فلاشات" الكاميرا بالطبع هو صلب عمل الوزير، ويأخذهم الحماس أكثر فيقومون بدور إدارة العلاقات العامة بالوزارة، إذ يُصرحون يومياً لوسائل الإعلام في كل صغيرة وكبيرة، ويعتبرون أن القرارات الإدارية الروتينية إنجازٌ عظيمٌ لهم شخصياً إلى درجة أنهم ينشرونها على حساباتهم في "تويتر" قبل أن تصل للإدارة التنفيذية المختصة.المشكلة اليوم أن الظروف الداخلية والخارجية صعبة وغير مستقرة، وهي تتطلب نهجاً سياسياً جديداً في تشكيل حكومة "ساسة محترفين" تحمل مشروع دولة مدنية ديمقراطية وبرنامج إصلاح سياسي-ديمقراطي جذري وشامل، وسياسات اقتصادية عادلة اجتماعياً. أما وقد تم تشكيل الحكومة بالنهج والطريقة ذاتهما فإنه من غير المتوقع أن تقدم شيئاً جديداً.