ميشلين مبارك: الشعر يخرجني من الخجل
في مجتمعاتنا الشرقية يحق للرجل الإفصاح والتصريح أكثر من المرأة
في شعرها، عموماً، صور وملامح من الأيام بحلوها ومرها، تساؤلات حول الحزن والحياة والموت والقوة والضعف والرفض والألم، وفي ديوانها الأخير «اعتراف» تتتبّع الشاعرة ميشلين مبارك حركة الزمان على الوجوه وترصد الظروف والتغيرات الحاصلة في البيئة وفي الوجود الإنساني بفعل الحروب وغيرها، وتعكسها دمعة في قصائدها على أعمار تهرب إلى الصمت علها تجد فيه بعض سكينة ومساحة حوار مع الروح بعيداً عن ضجيج الواقع الذي يزداد سوداوية وغربة.
سواء في ديوانها الأول «تجربة» أو في ديوانها الثاني «اعتراف»، تبحر الشاعرة في دهاليز الوجدان باحثة عن حب شامل للإنسان، والوطن والأرض والله، عله يكون المنارة التي تعيد الحياة إلى شاطئ الأمان وتطفئ جمرة الحروب...
سواء في ديوانها الأول «تجربة» أو في ديوانها الثاني «اعتراف»، تبحر الشاعرة في دهاليز الوجدان باحثة عن حب شامل للإنسان، والوطن والأرض والله، عله يكون المنارة التي تعيد الحياة إلى شاطئ الأمان وتطفئ جمرة الحروب...
إلى متى ترقى علاقتك بالكتابة؟منذ الطفولة، أذكر أنني كنت أنال علامات عالية في الإنشاء العربي، إنما كتاباتي الفعلية بدأت في التاسعة عشرة من عمري، وبدأت النشر في ملحق «نهار الشباب» و«جريدة النهار» اللبنانية في العشرين من عمري (ليس فقط شعراً إنما مقالات عن كتب صادرة حديثاً أو آراء في مناسبات دينية أو سياسية)، إلى أن أصدرت ديواني الشعري الأول «تجربة» في عام 2007.
في ديوان «اعتراف» بوح مباشر في الحب، وفي أمور الحياة والوجود، كونك امرأة شاعرة هل تعتقدين أن البوح المباشر نوع من الجرأة؟طبعاً هو نوع من الجرأة «الراقية»، إذا جاز التعبير، على عكس شخصيتي في الحياة، فأنا إنسانة خجولة بطبعي، إنما أتعامل بحبّ مع كل من وما يحيطُ بي، فقط في الشعر أخرج من خجلي لأترجم الحب قصائد نثرية، زرعتُها دموعاً على صفحات بيض، تحاكي الهرب والشوق وقبلة الوداع، تمنيت فيها مراراً وتكراراً: «ليت ملائكة الشعر/ تزورني كلّ يوم/ لأكتب على وجه الشمس/ حبيبي/ قصيدة من نور». تتكلمين في «اعتراف» عن الحلم والوهم فما الفارق بينهما في قصائدك؟برأيي، الإنسان الذي لا يحلم هو جسد بلا روح، لذا الحلم في قصائدي موجود بقوة، والوهم هو الخاتمة الحزينة للقصيدة.هل يمكن القول إن ثمة تأثراً في شعرك بشاعر المرأة نزار قباني؟منذ عمر المراهقة وأنا أقرأ للكبير نزار قباني، فمن الطبيعي أن أتأثر به وأنا سعيدة بهذا التأثر. نزار قباني هو حالة عربية وعالمية لا تتكرر، وهو سابق لعصره في قصيدة الرثاء لزوجته بلقيس وفي الوطنيات، كذلك أنا متأثرة بالشاعر محمود درويش وبشعراء كثر أحياء هم فاعلون في الساحة الثقافية المحلية والعربية والعالمية. لماذا تنتهجين أسلوب القصيدة النثرية؟ثمة قصيدة كتبتها أقول فيها إن القصيدة النثرية هي التي تكتبني وهي التي اختارتني وليس العكس، إضافة إلى أنني مع الحداثة في الشعر من دون التنكر للقصيدة العمودية. وهنا اسمحي لي أن أقول:قصيدتي/ تناديني كي أكتبها/ أتجاهلها علّني أنام/ تؤرقني، أعاندها/ تجعل اليراع يمسكني/ لتكتبني خربشات/ أم أكتبها/ لا أدري / أعود فلا أنام.
بعد روحي ووطني
أنت من قرية في جبل لبنان، إلى أي مدى بيئتك حاضرة في شعرك؟أنا ابنة بيئتي، هذا الجبل المتجذر في روحي وهو حاضر في القصائد ذات البعد الروحي، والوجداني، والوطني، لذلك حتى في القصائد العشقية لا أستطيع أن أكون بعيدة الجرأة لأنني أحترم بيئتي وعائلتي وتربيتي المحافظة.بين «اعتراف» و«تجربة» حوالى عشر سنوات، لماذا هذه المسافة الزمنية؟ نعم مسافة زمنية طويلة عشت فيها الحبّ، الزواج والأمومة (لثلاث بنات)، ذلك كله أعطاني مزيداً من الحبّ ليترجم في «اعتراف» واعترافات شعرية مستقبلية. يزخر «تجربة» بقصائد متناثرة تتناول الحبّ، والوطن، والإيمان. يسكنُ في بعضها الحزن، وأمام بعضها أتلو صلاة، وفي النهاية تحية للشهداء. هي قصائدي الأولى ربما تزول ذات يوم إنما الروح تبقى نابضة فيها حتى آخر يوم.هل يمكن القول إنهما يكملان بعضهما بعضاً من ناحية التطرق إلى الحب والرومانسية والتأمل والبعد الوطني والحنين؟إلى حدّ ما، أستطيع القول اليوم إن ديوان «تجربة» كان اسماً على مسمى ولم يكن ناضجاً بما فيه الكفاية، فتجاربنا في الحبّ والتأمل والبعد الوطني لا تعطي ثمارها إلاّ بعد مرور الزمن، مثل بذور الزرع بعد مرور المواسم تنمو وتزهر، فكان الحصاد في ديوان «اعتراف» أكثر نضجاً وجرأة، وبفضل تكثيف قراءاتي واجتهادي الشخصي أتعلم كل يوم كيف أجذب قصائدي لأرفع من شأنها أكثر. في إحدى قصائدي مثلاً أقول: طيف أنا في عالم البشر/ طير في سماء السهر/ نسمة في غابة الشجردمعة أنا في مياه نهر/ جارفة/ غيمة في بريق عيون/ ساهرة/ حزن في بحر الأفراح الكاذبة/ وردة أنا في أشواك/ الحياة/ غيث أنا في صحراء الجفاف/ قبلة في حب الوطن...جرأة وشمولية
إلى من تتوجهين في شعرك؟ القصيدة التي أكتبها هي إلى كل من يشعر بها وإلى كل من يحب هذا النوع من الشعر وليس بالضرورة إلى إنسان معين.هل تعتقدين أن المرأة الشاعرة تتعرّض للنقد أكثر من الشاعر الرجل، لا سيما إذا كانت على قدر من الجرأة في قصائدها؟برأيي القصيدة الجريئة سيف ذو حدين: أولاً يجب أن تبتعد عن الابتذال وثانياً أن تتضمن قدراً من الرقي في الجرأة المعتمدة، لا سيما إذا كانت كاتبتها شاعرة، كوننا في مجتمع شرقي وذكوري ويحق للرجل الإفصاح والتصريح أكثر من المرأة.تخاطبين الطبيعة في قصائدك وكأنها مرآة روحك، فهل طفولتك في أحضانها تؤدي دوراً في هذا المجال؟للطبيعة مكانة مميزة في شعري، كيف لا وأنا أستوحي منها نبض روحي وسلام قلبي وأودعها شكواي ومعاناتي وأحزاني، إنها بالنسبة إلي رفيقة شعري أستلهم منها لغة قصائدي وشفافية كلماتي. ولا شك في أن قصيدة «بحر الحب» من ديوان «تجربة»، خير معبّر عن هذه العلاقة الحميمة بيني وبين الطبيعة إذ أقول فيها: «يا بحراً،/ حمّلته كلّ الآمال/ وأودعته كلّ الأسرار/ أرسلتُ معه كلّ الأشواق/ وأسكنتُ فيه حبيّ الأزلُ/ فأين هي رسالتك الردّ؟ يا موجاً،/ صبيتُ فيه كل الغضبِ/ وتكسّرَ مع كل غضبي،/ في مَدِه سافرت معه/ الأحلام/ وعادت مع جزره أوهاماً،/ فأين هو حلمي المنتظر؟ يا بحراً،/ غمرتُكَ بجسدي آلاف/ المرات/ فأودعتك ثقتي كلّ مرة،/ حمّلتك كلّ ما لا أستطيع/ أن أحمله،/ ألا تخفف عني وطأة/ الحمل؟/ أنا التي أحببتكَ،/ في هدوئكَ وجنونكَ،/ في نهاركَ وليلكَ،/ في صيفكَ وشتائكَ،/ وغُصتُ في أعماقك/ حتى الغرق. أتى يوم غروب/ وأنا أطفو على سطحك/ منسيةٌ/ ألا تنقذني يا بحر من/ الموت؟/ إني لم أرتوِ منكَ بعدُ/ ولن أفقد فيكَ الأمل أبداً.ما الجديد الذي تحضرينه راهناً؟أعمل على ديواني الشعري الثالث، وهو بعيد عن المباشر، أعمق وذات بعد روحي واضح. سعيدة بأنه يلاقي استحسان من يقرأ بعض القصائد على صفحتي على «فيسبوك».قصص للأطفال
للشاعرة ميشلين مبارك مؤلفات في أدب الأطفال، حول تجربتها هذه توضح: «ما زالت تجربتي في بدايتها، فبين دفاتري قصتان للأطفال غير منشورتين. أعتبر أن أدب الأطفال أحد أصعب الآداب، وعلينا أن نكون على قدر كبير من الوعي والمسؤولية والمعرفة للتوجه إلى الفئات العمرية الصغيرة وما تحمله كتاباتنا من رسائل هادفة وقيمة».رداً على سؤال حول مدى مساهمة الأمومة في توجهها نحو أدب الطفل تجيب: «لا علاقة للأمومة بخياري هذا، بل حبيّ لقصص الأطفال وللأدب عموماً جعلني أنضم إلى دورة تدريبية حول أدب الأطفال في العام 2005 (أي قبل الزواج)، ولا شك في أن الأمومة زينت وأغنت هذا الحبّ الذي لا بدّ من أن يترجم عملياً».
القصيدة النثرية تكتبني وهي التي اختارتني لا العكس