مكافحة الفساد... أداة سياسية!
منذ فترة كتبت عدة اقتراحات لإطلاق جهد شعبي من المجتمع المدني والقوى السياسية لمكافحة الفساد، بعد الانتكاسات الكبيرة في التصدي له في البلاد. بعض هذه الاقتراحات كان نتيجة متابعات شخصية، والأخرى من اقتراحات بعض الشباب والقانونيين، ومن وحي الاتفاقيات الأممية والدولية لمكافحة الفساد، وكان آخرها في مقالة لي قبل عدة أيام بعنوان "الغرق في وحل الفساد".كل تلك المقالات والاقتراحات لم تجد أي صدى أو استجابة من أي جمعية نفع عام، أو تجمُّع سياسي، أو قوى وطنية، بخلاف تجاوب واحد كان من الزميل صلاح الهاشم عبر "تويتر"، بالدعم والمؤازرة. لم أفاجأ بذلك، إذ إنني وبعد خبرة سنوات طويلة في العمل الإعلامي والصحافة البرلمانية والنشاط السياسي اكتشفت مبكراً، ومنذ عدة سنوات، أن 99 في المئة من الزاعقين بشعارات محاربة الفساد هم "كلكجية" يستخدمونها لأغراض انتخابية وسياسية، وغالبيتهم مستفيدون من الوضع الحالي.
غالبيتنا في الكويت منخرطون بشكل ما في الفساد، إلا من رحم ربي، إما بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر، بعقود ومناقصات واستشارات وتسميات لمناصب، أو راتب دون دوام... إلخ. لم يبقَ سياسي أو صاحب مصلحة لم يرفع شعارات مكافحة الفساد، ولم تبقَ جماعة أو تيار سياسي شُكل لمحاربة الفساد علناً ولغاية سياسية سراً لم يستخدم في الصراعات السياسية بين أجنحة السلطة وحيتان القوى الاجتماعية وأصحاب النفوذ دون أن يكون معنياً بجد في مواجهة الفساد.ولنكن أكثر صراحة، فإن استخدام ملف "الإيداعات"، فيما أسمته جماعة "حدس" بالحراك، كان إحدى أدوات استغلال الإخوان المسلمين لنقل الربيع العربي للكويت، لشعورهم بأنها اللحظة التاريخية المواتية لهم لتولي زمام الأمور في العالم العربي، وخاصة أن المال السياسي في الكويت منتشر منذ عودة الحياة البرلمانية عام 1992، ولم يتم التحرك بهذه الصورة لمواجهته، بل إن أحد رموز الأمن السابقين صرح بأن أموالاً دفعت لنواب للتصويت بالموافقة على منح المرأة حق الانتخاب والترشح، ولم يتم أي تحرك برلماني أو شعبي تجاه ذلك، كما أن رموزاً من الإخوان المسلمين في البرلمان الكويتي كانوا يمارسون العمل التجاري والحصول على مناقصات حكومية أثناء شغلهم مقاعد برلمانية.الواقع أننا في الكويت لا نملك قوى إصلاحية حقيقية، بل سياسيين وأصحاب مصالح يستخدمون ملف محاربة الفساد لغايات دعائية وانتخابية، وفي العالم دائماً تبدأ ثورات أو عمليات الإصلاح الكبرى والجادة من خارج رحم المؤسسات الرسمية المنغمسة في الفساد، لكن في الكويت أصبحت غالبية قوى المجتمع المدني تحت هيمنة وسيطرة أصحاب المصالح والقوى الاجتماعية المنخرطة في الفساد، وهو ما يعرقل إطلاق أي عملية جادة لمكافحة الفساد في الكويت.