نظمت الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية ندوة بعنوان "الرقابة تدمير للبنية الثقافية"، شارك فيها الكاتب والناشر أحمد الديين، والروائية بثينة العيسى، والكاتبة عالية الخالد، والكاتب المسرحي سليمان البسام، وأدارها الناشط في مجال حقوق الإنسان عبدالله الخنيني.استهلت الأمسية، التي تواصلت فعالياتها على مدى ساعتين، بمقدمة افتتاحية موجزة قدمها الخنيني، عريف الأمسية، عن الانعكاسات السلبية المترتبة على تشديد الرقابة غير الموضوعية على البنية الثقافية في الكويت، التي ساهمت في تراجع وتيرة التنمية والإنجاز في البلاد، ثم فتح الخنيني المجال أمام المشاركين في الندوة للتحدث والإجابة عن التساؤلات التي طرحها في مقدمته.
الكاتب والناشر أحمد الديين قال، إن قانون المطبوعات والنشر يتضمن العديد من المواد والتي تعزز مبدأ الرقابة التعسفية غير المبررة للكتب والمنشورات بمختلف أنواعها، وخصوصاً مادة 21 التي يتم استغلالها من قبل الرقيب بشكل كبير في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى أن الأصل في المسألة برمتها وحرية القارئ في الاطلاع والحصول على المعلومات من مصادرها والاستثناء هو المنع أو الحجب، لكن الأمر في الكويت مقلوب، بحيث أصبح المنع هو الأصل والقاعدة.
الرقابة المطلقة
وأوضح الديين أنه ليس ضد الرقابة بالشكل المطلق، إنما يؤيدها إن تم استغلالها لمنع الكتب المثيرة للطائفية، أو المحرضة على الأديان والمذاهب الأخرى، لافتاً إلى أنه ضد الرقابة المتشددة والمزاجية وغير الموضوعية، التي تسمح وتفتح المجال لجهات رقابية جديدة بدأت تمارس الدور الأصيل لوزارة الإعلام، مثل وزارة الأوقاف والأجهزة الأخرى، وللعلم فإن إدارة المطبوعات بوزارة الإعلام هي المعنية بالرقابة، وليست لجنة الرقابة، التي وضعت كواجهة لتبرير القيود الرقابية.وأرجع الديين استفحال سطوة الرقابة وسيطرتها بقوة على الواقع الثقافي في الكويت الى عاملين أساسيين أولهما نظرة الكثير من أفراد المجتمع إلى الرقابة على أنها تضيّق وتقتصر على مجالات محددة وأشخاص معينين يقعون ضمن إطارها مثل الكتاب والروائيين وكتاب المسرح والسينما وغيرهم، بينما في واقع الحال تصادر الرقابة حق الإنسان في حرية الاطلاع وتفرض وصاية كاملة عليه. وتناول العامل الثاني الذي يرتبط بالأجواء السياسية في البلاد، إذ شهدت في فترات سعي نواب إلى الإصلاح والإنجاز، وهو ما ترتب عليه إقرار قانون المطبوعات والنشر عام 2006 الذي ألغى التعطيل الإداري للصحف، وسمح بإصدار تصاريح جديدة لصحف يومية. وأشار الديين إلى أن الثقافة جزء من التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة، وملامحها واتجاهاتها تتحدد بالطبقة السائدة في المجتمع. وخلص إلى تحديد مجموعة من الإجراءات، التي من شأنها تغيير الواقع الرقابي على البنية الثقافية في الكويت، ومن أبرزها العمل على خلق حالة مجتمعية تعزز فكرة أن قيود الرقابة لاتعني فئة معينة، وإنما المجتمع ككل.تسلط رقابي
بدورها قالت الروائية بثينة العيسى: نحن نتحسس بشكل كبير من الكلمة المكتوبة أكثر من نظيرتها، التي تقال شفاهة، مستغربة ذلك في ظل ثورة التكنولوجيا التي نشهدها ومواقع التواصل الاجتماعي التي تعج بالكلمات المكتوبة التي يصل الكثير منها إلى درجة خدش الحياء ورغم ذلك لا تمنع، وتتسلط الرقابة على الأعمال الفكرية والأدبية التي ترتقي بالعقل والأخلاق.وأضافت العيسى: ما أعرفه هو أنَّ أي شخص يقبل بالرقابة على الكتب هو لا يفهم طبيعة القراءة. فالقارئ يبحث عن الكتاب ويتتبعه كما يتتبع القراصنة الكنوز. فهو باحث ومكتشف ولا يعنيه، أن يحصل على موافقة أي جهة، على ما يقرأ، وفي المقابل تأتي لجنة الرقابة بقرارات تعسفية، تكتفي فيها بقراءة تقرير الرقيب فقط وليس الكتاب كله لتمنعه، مشيرة إلى أننا أمام مشكلة مزدوجة تتلخص في تعسف المشرع، الذي يختصر الرقابة على المنجز الفكري بنص قانون، وتخبط في التطبيق من قبل لجنة الرقابة في وزارة الإعلام.من جانبه، قال الكاتب المسرحي سليمان البسام، إن رداءة مستوى الرقابة، الذي نعيشه يعكس رداءة وهشاشة البنية الثقافية لدينا، لافتاً إلى أن الرقابة الأدبية، التي تفرض على النصوص المسرحية في بيئة سماتها الأساسية الخوف، الذي يكرسه النص القانوني، روجت للأعمال الوطنية الترفيهية، وأكسبتها سمة القبول من قبل المجتمع، وعززت من الرفض والمعارضة للأعمال المسرحية الفكرية الهادفة العميقة المضمون، فالمسرح مضاد سياسي وسبل الرقابة فيه مرآة لوضع أكبر.تغيير الواقع
من جهتها، عرضت الكاتبة عالية الخالد نموذجاً مرسوماً لنظرية خاصة بها بعنوان " الإرادة نظرية أنا والرقابة"، بينت من خلالها، أن حرية الاختيار تؤثر على الثقافة في الكويت، مشددة على أن الحرية في مضمونها ومفهومها تحمل سمات إنسانية رائعة لايمكن الاختلاف على عدالتها ومنطقيتها، متسائلة عن أسباب منعها؟ وأوضحت الخالد أن الوعي جزء أصيل في الحرية، وباقترانه معها تكون الاختيارات، وبناء عليه الشخص، الذي يفقد السيطرة على حدوده الخاصة ويضيع ذاته في أسرته ومجتمعه، لن يتذمر ولن يشتكي من القوانين، حتى إن كانت ظالمة، بينما يحافظ الشخص، الذي يعرف حدوده على هويته ويملك الوعي النابع من الحرية للاختيار والتذمر على القانون إذا استشعر ظلمه، ومن يتمتعون بهوية واحدة يجتمعون ليكونوا حلقة من شأنها التأثير على الواقع وتغييره.