ماذا بعد إسطنبول؟!
قرارٌ يستحق التقدير والإشادة؛ أنْ تُجمِع القمة الإسلامية (الطارئة)، التي انعقدت في إسطنبول، على الاعتراف بالقدس الشرقية (المحتلة) عاصمة للدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، فهذا هو أقل ما يفعله المسلمون بالنسبة لثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسولهم العظيم محمد عليه الصلاة والسلام وأول قبلة يتوجهون إليها في صلاتهم. وحقيقة أنه تقصير بواجب ديني وسياسي أيضاً أن يستمر أقذر وأسوأ احتلال عرفته البشرية في تاريخها الطويل كل هذه الفترة، منذ عام 1967 وقبل ذلك وحتى الآن، بهذه البقعة التي تقع مسؤولية تحريرها على كل مسلم في الكرة الأرضية.ولعل ما يجب أن يقال هنا هو ضرورة التأكيد على أن التجارب قد عودتنا على أن مؤتمراتنا العربية والإسلامية تنتهي بـ"قل كلمتك وامش"، وأن القرارات تأخذ طريقها، حتى قبل أن يجف الحبر الذي كُتبت به، إلى الملفات الصفراء على الرفوف المُغْبرَّة القديمة، وهذا هو الذي يراهن عليه الإسرائيليون، ويراهن عليه دونالد ترامب، ويراهن عليه أيضاً "المتصهينون" الذين يقدمون أنفسهم إعلامياً و"عملياً" على أنهم البديل الإسلامي لكل هذه الدول، وأنهم البديل المطلوب للأمة العربية التي يعتبرونها أمة عابرة للتاريخ، وبدون أن تترك أي أثر يدل على أنها صاحبة رسالة حضارية خالدة.
المفترض أنّ قادة المسلمين الذين التقوا في عاصمة الخلافة العثمانية، وعاصمة الخليفة العثماني السلطان عبدالحميد الثاني، الذي قاوم المساومة على فلسطين ورفض كل الإغراءات الصهيونية للتنازل عنها، قد شكلوا لجنة فعلية دائمة لمتابعة تنفيذ قراراتهم، على أساس أن كل هذا الاعتراف "الجماعي" بالقدس الشرقية المحتلة عاصمة لفلسطين لا يكفي، وأن المطلوب هو أن يكون هناك أيضاً اعتراف فردي، وأن يكون هناك سفراء مسلمون ومسيحيون أيضاً لدى السلطة الوطنية الفلسطينية التي اعترفت بها الأمم المتحدة دولة تحت الاحتلال.إن بإمكان الدول الإسلامية التي لا تغيب عن خرائطها وجغرافيتها الشمس، والتي لديها إمكانيات هائلة سياسية واقتصادية، وأيضاً عسكرية، أنْ تُغيِّر حتى هذا الموقف الأميركي البائس تجاه القضية الفلسطينية المقدسة، وأن تصبح قراراتها قرارات لدول عدم الانحياز، ولدول أميركا اللاتينية... وأيضاً لدول الاتحاد الأوروبي، ولمَ لا؟ فالعلاقات بين الدول وبين المحاور الدولية كانت "مصالح"، ولا تزال. ويقيناً أنه إذا استخدم المسلمون هذه الأداة الفاعلة، فإن أغلبية العالم ستصبح منحازة إلى الفلسطينيين وإلى قضيتهم العادلة، ضد هذه الدولة الاستعمارية الهمجية الغاشمة.يجب ألاّ يضطر الفلسطينيون، بعد كل هذا الذي رأيناه في إسطنبول، وبعد كل هذا الاصطفاف العالمي بجانبهم، إلى الاستمرار بالصراخ: "يا وحدنا"، فأمة هذا هو حجمها، وهذه إمكانياتها، وهذا هو تأثيرها المفترض، يجب ألاّ يشعر أي شقيق لشعوبها المنتشرة من مطلع الشمس حتى مغيبها بالاستضعاف، وبأنه وحده، فهذا في الحقيقة تقصير ديني وتقصير أخلاقي وتقصير إنساني.ويكفي كل ما مضى، ويجب أن تبدأ هذه الأمة بما اتفقت عليه قبل يومين في العاصمة العثمانية إسطنبول!